أيا من يقولي أهوى
أسقيه بإيدي قهوة (أهوه)
أنا أنا أهوى
—————-
تكاد القهوة والشاي تكونان المشروبين الأكثر شيوعاً في العالم بعد الماء، ولكن القهوة انفردت عن الشاي بقصة مثيرة بين التحليل والتحريم رغم أنها مقارنة بالشاي تعد مشروباً عربياً، حتى إن قهوة الموكا وهي من أفخر أنواع القهوة اتخذت اسمها في كل اللغات من ميناء مخا اليمني، ولكنني اخترت هنا أن أعرض للقهوة في الطب والتاريخ بمناسبة مقال عرضه موقع الميدسكايب الطبي العالمي عن فوائد التعاطي المتوسط للقهوة (ستة أكواب يومياً)، ويخلص المقال من مجموع الأبحاث التي لاحظها إلى أن فوائد القهوة ترجح ما يقال عن مضارها، بل ويقترح أحد المشاركين في الأبحاث أن يتوقف البحث في هذا الموضوع؛ نظراً لأنه اكتسب موثوقية كبيرة بتكرار النتائج المتشابهة في كل الأبحاث التي أجريت عليه.
للقهوة مضار من ناحية أن الإكثار من تعاطيها يزيد من احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وزيادة احتمالات الإصابة بالأرق والتوتر المرضي، وكذلك الإصابة برعشة الشيخوخة، أما الآثار النافعة فعديدة جداً لدرجة الاستنتاج بأنها تخفض كل أسباب الوفاة، فتقلل من الإصابة بهبوط القلب وتقلل من اضطراب نبضات القلب، كما وتقلل من أمراض الدماغ الوعائية مثل الفالج، كما وتحسن من عمليات الاستقلاب الغذائي المتعلق بالجلوكوز مما يؤدي إلى انخفاض الإصابة بمرض السكر، أيضاً يقلل شرب القهوة باعتدال من الإصابة بسرطان باطن الرحم وسرطان البروستاتا وسرطانات الرأس والعنق وسرطان القولون والمستقيم.
بالنسبة للنشاط العقلي فتناول القهوة يحسن أداء الذاكرة ويقلل الاضطرابات الذهنية كما يعطي حماية من مرض باركنسون.
وعليه صحياً فإن القارئ مدعو إلى فنجان القهوة التالي، وبالكثير من الروقان..
القهوة بين الحل والحرمة
——————
يعرض كتاب سيرة القهوة بين التحليل والتحريم للأستاذ سعيد السريحي قصة مثيرة ربما تنطبق على كثير مما يستجد في حياتنا ويأخذ وقتاً بين التحليل والتحريم، فقد بدأ تعاطي مشروب البن فيما يبدو في أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع للهجرة في الحبشة واليمن، وهناك أساطير تقول إن البن قد جاءت بها الجن إلى نبي الله سليمان بناء على توجيه من جِبْرِيل، واستعملها سليمان في العلاج، وقد شاع شربها بين المتصوفة في اليمن لما فيها من تعديل للمزاج ومساعدة على السهر، وحيث إن الصوفيين كانوا يسهرون في العبادة والتأمل فإن ما كان يحصل لهم من انتعاش بشراب البن جعلهم يتذكرون أنهار خمر الجنة فأطلقوا على شراب البن أحد الأسماء غير المتداولة للخمر وهو اسم القهوة،
وقد جاء ذكر الخمر باسم القهوة في بعض أشعار الأعشى الشاعر الجاهلي، يذكر الجزيري في كتابه المسمى "عمدة الصفوة في حل القهوة" أن الناس استدلوا على تحليل شربها من شيوعها عند أهل الصلاح من المتصوفة وغيرهم لدرجة أنه كان يطلق عليها اسم الشاذلية نسبة إلى الشيخ أبي بكر العيدروس، أحد أتباع الطريقة الشاذلية، وارتباطها بالمسلمين جعل أسقف كانتربري في بريطانيا يطالب بتحريمها باعتبار أن لها تأثيراً على العقل يغري شاربها باعتناق الإسلام (عام 1640م) وكان بعض الأوروبيين يطلق على حبة البن حبة محمد.
في حوالي سنة 900 للهجرة أخذ شرب القهوة ينتشر في مكة، وأصبح هناك بيوت للقهوة وربما عمد بعض الخبثاء إلى إضافة بعض المسكر إليها ليتحقق بها ما هو أكثر من الكيف، وشاع عند البعض أن بيوت القهوة أصبحت أماكن للهو والاختلاط المحرم والمراهنة ولعب الشطرنج.
دعا الأمر خائر بك صاحب الحسبة في مكة إلى رفع الأمر إلى السلطان المملوكي قانصوه الغوري، حاكم القاهرة الذي تتبعه مكة، طالباً تحريم القهوة، ذاكراً ما شاع في بيوت القهوة من جلسات مريبة، وذكر أنه أحضر جماعة من شاربيها ذكروا أنهم استعملوها بناء على الإباحة الأصلية، فتغيرت حواسهم وأنكروا هيئتهم وتغير عقلهم، فحصل الضرر في أبدانهم، وذكر أنه استدعى اثنين من أعيان السادة الأطباء بمكة وسألهما عن مشروب البن فذكرا أنه بارد يابس مفسد للبدن المعتدل، وقد جاء رد السلطان الغوري بأن منع من يشربها عن التظاهر يشربها والدوران بها في الأسواق، يعلق الجزيري في كتابه المشار إليه أن السلطان لم يحرم القهوة في مصر، وأن التحريم إنما كان عن التظاهر بشربها وخلطها بالمسكر،
وأن التحريم لم يتحدث عن حرمة ذات القهوة، كما يسوق مجموعة من الملابسات حول منع بيوت القهوة في مكة، بالإشارة إلى أحوال مكة آنذاك، فقد كان الشريف بركات بن محمد والياً لمكة لكن إخوته راحوا ينقلبون عليه، وأصبحت مكة متاحة لغزو القبائل، وذلك لنقص الأمن فيها بسبب احتراب الإخوة، وربما رأى الشريف بركات أن يمنع التجمعات مثل بيوت القهوة فسعى عن طريق طبيبيه إلى تحريك والي الحسبة لإغلاق بيوت القهوة، كما هناك احتمال أن يكون الدافع وراء قرار التحريم هو رغبة والي جدة القوي حسين الكردي في معاقبة أهل اليمن (تجار البن)لموقفهم من عدم دعم حملاته العسكرية التي صدت البرتغال عن استعمار موانئ الحجاز.
استمرت المسألة بين منح ومنع حوالي أربعين عاماً، وحدث في القاهرة أن أحد مدرسي الجامع الأزهر ألقى درساً حثّ فيه على تحريم شرب القهوة، فقام مجموعة من طلابه بمهاجمة بيوت القهوة وتدمير أدواتها وأحدثوا ما أحدثوا من الفوضى، الأمر الذي أزعج الناس.
وحين بلغ الأمر قاضي مصر الشيخ محمد بن إلياس الحنفي، سأل جماعة من العلماء واعتمد على من قال بحلها، ثم أمر بطبخها في منزله، وسقى منها جماعات بحضرته، وزاد كمية القهوة لهم وجلس يتحدث معهم معظم النهار ليختبر حالهم، فلم يرَ منهم تغيراً ولا منكراً، فأقرها على الحل.
أما الشاي فلم يلق ما لقيت القهوة من العنت، وقد أعيد فتح بيوت القهوة في مكة لتقتصر على بيع الشاي وحده مدة طويلة، ورغم أن اسمها مقاهٍ فإنها بقيت عشرات السنين لا تقدم القهوة بناء على فتاوى التحريم، ولكنها دخلت فيما بعد لتنافس الشاي، ولقد لاحظت أن الأديب نجيب محفوظ يسمي الأماكن التي تقدم الشاي وحده دون القهوة مشهى، وهذا أصح وأدق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.