البيت يجب أن يشبه ساكنه شبها كبيرا كأنهما توأم، بحيث يعكس أحدهما وجه الآخر كأنه مرآة له، تماما مثل اللباس الذي يعكس شخصية صاحبه، وكل تنافر بينهما يجعل الراحة مطلبا مستعصيا.
البيوت ليست جدرانا وشرفات وأبوابا وستائر وشمعدانات وحدائق، البيوت أرواح قبل كل شيء، ولو أن روحا قلقة مشوشة سكنت بيتا جميلا فارها لحولته إلى خراب وفوضى، ولو أن روحا آمنة جميلة سكنت نفقا لحولته إلى جنة غناء.
الأثاث الذي في الداخل هو ما تراه أمامك، الكراسي التي في قلبك هي نفسها التي تتوزع في غرفة جلوسك، الضوء الذي في نفق روحك هو نفسه الذي في ممرات بيتك، الركن الأبعد في صدرك هو ذلك المظلم المطفأ في آخر الغرفة.
أحبتك الذين على الجدران، الإطارات التي تضم الوجوه، المسامير التي تشدها إلى الجدران كلها من نفسك وتاريخك وعلاقاتك التي تشدك إلى الأرض وإلى نفسك.
البيوت ليست جدرانا وأبوابا ونوافذ، البيوت فكرة، ولأنها كذلك يجب أن تأخذ حيّزا مهما من حياتنا واهتمامنا ونستثمر فيها من جهدنا ووقتنا الشيء الكثير.
بحكم عيشي في ثقافة غربية تابعت على مدى أكثر من عقدين بكثير من الاهتمام والانبهار علاقة الغربيين ببيوتهم. يضطر الأوروبيون بسبب أجواء البرد والمطر والثلج إلى البقاء فترة طويلة داخل البيوت، وليحولوا هذا البقاء من حالة الاضطرار والإكراه إلى حالة الاستمتاع والراحة عمدوا إلى اتخاذ تدابير عديدة من بينها أن يكون البيت آمنا، وهو أول شرط في البيوت وحق يكفله المجتمع والقانون. البيوت الآمنة هي البيوت التي لا يشعر سكانها بخوف أو تهديد أو خطر من أي جهة ما، وهي أيضا وبالتأكيد حالة السلام والتفاهم والقدرة على التواصل السليم بين من يعيشون داخلها. لا يخلو بيت من مشاكل، لكن المشاكل تصبح أمرا ثانويا أمام مستوى عال من التعامل والتواصل السليمين بين أفراد البيت الواحد، وأول خطوة نحو تحقيق بيت آمن هي أن تكون عتبته منخفضة دائما أمام حديث منفتح وبسيط.
من شروط البيوت أيضا أن تكون مريحة، أي أن توفر لساكنيها قدرا كبيرا من الراحة بمجرد دخولها وتعزلهم عن تعب الطريق ومشقة العمل وزحمة الحياة التي في الخارج، فتوفر لهم الراحة والاسترخاء وفرصة لالتقاط الأنفاس. والراحة هنا ليست بمعنى الرفاهية بقدر ما تعني القدرة على مد علاقة مع التفاصيل الصغيرة التي بالبيت بدءا من أركانه وأثاثه وألوانه إلى حجم الضوء ومسقطه في البيت.
القدرة على إيجاد هذه العلاقة التي تحول تفاصيل البيت الصغيرة إلى جزء من شخصية وتكوين ساكنيها لا يملكها الجميع، ولكنها الراحة بعينها لمن يملكها لأنها تمنح قدرا كبيرا من الاطمئنان والثقة والاسترخاء.ولمد هذه العلاقة يجب أن يتعامل ساكن البيت مع كل تفاصيله الصغيرة بوعي واهتمام، ويوزع الضوء والظل وقطع الأثاث والنباتات والشموع والألوان وحتى الفراغات وفق رغبة داخلية في إيجاد المكان الذي يستجيب لذوقه ووجهة نظره في الحياة، دون أن يخضع لذوق العامة أو لمنطق الجمال السائد، والخلاصة هي أن البيت يجب أن يشبه ساكنه شبها كبيرا كأنهما توأم، بحيث يعكس أحدهما وجه الآخر كأنه مرآة له، تماما مثل اللباس الذي يعكس شخصية صاحبه، وكل تنافر بينهما يجعل الراحة مطلبا مستعصيا.
أن تجد بيتك يعني أن تجد مكانك وأن تجد مكانك يعني أن تجد نفسك، وأن تجد نفسك يعني أن تجد الراحة.
– تم نشر هذه التدوينة في موقع صحيفة العرب
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.