حقّقت العاملاتان المنزليتان اللتان قالتا إنَّهما تعرَّضتا للاستغلال من جانب دبلوماسي سعودي في لندن، انتصاراً كبيراً في المحكمة العليا، بعدما حكم القضاة بأنَّ رب عملهما لم يعد متمتعاً بالحصانة الدبلوماسية.
وقد عملت السيدتان، شيريلين رييس وتيتين روهايتن سوريادي، لصالح جار الله المالكي وزوجته في مقر إقامتهما الدبلوماسي بلندن. وتقول السيدتان إنَّ المالكي وزوجته توقعا منهما أن يعملا لمدة 18 ساعة يومياً و7 أيام أسبوعياً، وإنَّهما لم يُسمَح لهما بمغادرة المنزل سوى برفقة أفراد من الأسرة، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية.
وحاولت شيريلين رفع دعوى قضائية ضد المالكي، لكنَّ محكمة الاستئناف أبلغتها أنَّه لا يمكنها مواصلة مسعاها ذلك؛ لأنَّ المالكي كان يتمتع بحصانةٍ دبلوماسية. غير أنَّ المحكمة العليا حكمت الآن بأنَّ مسألة توظيف عاملٍ منزلي لا يمكن القول بوقوعها داخل مهام المسؤول الدبلوماسي الرسمية؛ ومن ثم فقد المالكي وأسرته أي حصانة حين خرج من منصبه.
يوم مكافحة الرق
وقالت شيريلين إنَّها سعدت بالقرار، الذي يأتي في يوم مكافحة الرق. وقالت: "أنا مسرورةٌ بأنَّ المحكمة العليا وافقت على أنَّ بإمكاني مقاضاة أسرة المالكي. أعرف أنَّ هناك الكثير من العمال المنزليين الآخرين الذين عانوا مثلي، وأنا مسرورة بأنَّهم سيصبحون قادرين على استخدام قضيتي للحصول على الانتصاف، ومسرورةٌ أنَّهم لن يضطروا إلى الانتظار طويلاً مثلي".
ويجلب الدبلوماسيون ما يُقدَّر بـ200 إلى 300 عامل منزلي مهاجر إلى داخل المملكة المتحدة سنوياً.
وجاء قرار المحكمة العليا بعد طعنٍ قدَّمته مؤسسة "Anti-Trafficking and Labour Exploitation Unit" الخيرية المهتمة بمسألة الاتجار بالبشر واستغلال العمال. ويعني القرار ضمناً أنَّ الدبلوماسيين لن يتمتعوا بالحصانة في القضايا المشابهة، حتى ولو كانوا لا يزالون في منصبهم الدبلوماسي.
وقد قبلت المحكمة بأغلبية أعضائها الرأي القائل بعدم انطباق الحصانات الدبلوماسية المعتادة تحت أي ظرف؛ لأنَّ التهريب والاتجار نشاطٌ يقع خارج نطاق الوظيفة الرسمية للدبلوماسي.
كان المالكي، الذي رفض التعليق على القرار، يعمل دبلوماسياً لدى السفارة السعودية في لندن منذ عام 2010 وحتى عام 2014. وعملت كل من رييس وسوريادي لدى المالكي في عام 2011. وبالإضافة إلى إرغامها على العمل 18 ساعة يومياً، فإنَّ شيريلين تزعم أنَّ جواز سفرها أُخِذ منها، وأنَّها مُنِعت من الاتصال بأسرتها. وتدَّعي أنَّها لاذت بالفرار من المنزل بعد الاتصال بالشرطة في مارس/آذار من العام نفسه.
لا تغادر المنزل إلا لإخراج القمامة
وتقول تيتين إنَّها تلقَّت أموالاً على دفعتين فقط؛ واحدة كانت تبلغ 195 جنيهاً إسترلينياً (257 دولاراً)، والأخرى بلغت 238 جنيهاً إسترلينياً (313 دولاراً)، أُرسِلتا مباشرةً إلى أسرتها، وإنَّه لم يكن مسموحاً لها بمغادرة المنزل إلا لإخراج القمامة. وتضيف أنَّها هربت عندما كان المالكي خارج المنزل وكانت زوجته نائمة. وعرَّفت وزارة الداخلية البريطانية السيدتين باعتبارهما ضحيتي عمليات اتجارٍ بالبشر.
ووسط مخاوف من أن يكون كثيرٌ من أفراد أطقم الخدم العاملين لدى الدبلوماسيين جرى الاتجار بهم، قالت إيمي غيبس، من المؤسسة الخيرية التي قدَّمت الطعن، إنَّ الحكم قد يكون له تداعيات أكبر وأكثر أهمية. وقالت: "هذه الطعون ذات أهمية كبيرة للغاية. فعمال المنازل الأجانب الذين يعملون لدى الدبلوماسيين والسفارات مُعرَّضون بشكلٍ خاص للاستغلال والإيذاء، بما في ذلك الاتجار".
وحذَّرت مؤسسة "كالايان" الخيرية، التي تدافع عن حقوق عمال المنازل وتدخَّلت في قضية المالكي، من أنَّ الحصانة الدبلوماسية أوجدت ثقافة الإفلات من العقاب. وقال زبير يازداني، المحامي لدى شركة "ديتون بيرس غلين" والذي مثَّل مؤسسة كالايان في القضية: "تُمثِّل هذه الطعون الناجحة تقدماً كبيراً في الإزالة التدريجية لحجاب
الحصانة الذي تمكّن إلى الآن من حماية الدبلوماسيين الذين هرَّبوا عمالهم المنزليين".
ويُمنح ما بين 16 إلى 17 ألفاً من عمال المنازل "المُعرَّضين للخطر" تصريحات لدخول بريطانيا سنوياً. وفي الفترة بين عامي 2003 و2011، كان 76% من هؤلاء العمال نساء.
وعادةً ما يُطلَب من عمال المنازل الأجانب القيام بمجموعةٍ من المهام، بما في ذلك التنظيف، والطبخ، ورعاية الأطفال، وغسل الملابس. وغالباً ما يُجلَب عمال المنازل الذكور إلى بريطانيا للعمل كسائقين، وطهاة، وحراس أمن خاصين.
ويأتي عمال لمنازل في الأغلب من إفريقيا وآسيا -على الأخص من الفلبين- إلى جانب الهند وإندونيسيا. لكنَّ الغالبية العظمى من العمال تدخل بريطانيا قادمةً من بلد ليس هو موطنهم الأصلي، لا سيما من السعودية، والبحرين، وعُمان، وقطر، والإمارات.
يعمل كثير من هؤلاء العمال، بما في ذلك السيدتان اللتان أقامتا الدعوى التي حُكم فيها الأربعاء 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في ظل نظام "الكفيل"، الذي ينتشر في منطقة الخليج. ويربط نظام "الكفيل" قانونياً العمال المهاجرين بأرباب عملهم بحيث لا يُسمَح للعمال بترك وظائفهم أو مغادرة البلد دون إذن صاحب العمل.
وحذَّر جيمس إوينز، وهو مراجع مستقل تستعين به الحكومة لمراجعة إجراءات تأشيرة عمال المنازل الأجانب، من أنَّ حياة عمال المنازل الأجانب "طي النسيان تقريباً"، وأنَّ هناك اعترافاً عالمياً بأنَّ عمال المنازل الأجانب "في وضع ضعفٍ كبير".
وأوصي إوينز واللجنة المشتركة المعنية بحقوق الإنسان بأنَّ عمال المنازل يجب توظيفهم مباشرةً من قِبل البعثة الدبلوماسية للعمل بمنازل دبلوماسييها؛ لأنَّ حصانة الدول تكون محدودة أكثر. غير أنَّ الحكومة البريطانية رفضت حتى الآن إقرار مثل هذا النهج.
وقالت شيريلين إنَّها رغبت في إقامة الدعوى نيابةً عن عمال المنازل المهاجرين الآخرين، وأضافت: "اعتبر نفسي مُحارِبة. ورفع هذه الدعوى جعلني أقوى".