أوقفت السلطات الإسبانية، أمس الإثنين 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017، رئيسَي المنظمتين الانفصاليَّتَيْن الأساسيتين في كتالونيا، بتهمة العصيان، في خطوة اعتبرتها حكومة الإقليم الانفصالي "استفزازاً"، فيما أعطت مدريد رئيس كتالونيا كارليس بوتشيمون مهلةً جديدةً تنتهي الخميس، لتقديم إجابة "واضحة" حول ما اذا كان أعلن عملياً استقلال الإقليم أم لا.
وأمر قاضٍ في المحكمة الوطنية الإسبانية، مساء الإثنين، بوضع جوردي سانشيز الذي يقود رابطة الجمعية الوطنية الكتالونية، ووجوردي كوشارت الذي يقود حركة ثقافية مؤيدة للاستقلال- قيد التوقيف الاحتياطي بعدما وُجِّهت إليهما تهمة العصيان.
وهما يواجهان حكماً بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً إذا ما أُدينا. وللمجموعتين عشرات الآلاف من الأنصار، وهو ما قد يشعل غضبهم.
وسارعت الحكومة الكتالونية إلى التنديد باعتقال القياديَّيْن الانفصاليين، معتبرة إياه "استفزازاً" من جانب مدريد.
من جانبها، أعطت الحكومة الإسبانية رئيس كتالونيا الانفصالي كارليس بوتشيمون الإثنين مهلةً جديدةً من أجل تقديم إجابة "واضحة وصريحة" حول ما إذا كان أعلن عملياً استقلال كتالونيا، بعد انقضاء مهلة أولى اكتفى في أعقابها بردٍّ لم يوضِّح فيه الالتباس الناجم عن ذلك.
وأعلنت نائب رئيس الوزراء الإسباني سورايا ساينز، دي سانتا ماريا، أن "الحكومة تأسف لقرار الحكومة الكتالونية عدم الاستجابة لطلبها"، وأعطت بوتشيمون مهلة تنتهي عند العاشرة من صباح الخميس (الثامنة ت غ)، من أجل تقديم إجابة "واضحة وصريحة".
وقال رئيس الوزراء ماريانو راخوي، مخاطبا بوتشيمون "لا يزال أمامك الوقت للإجابة بشكل واضح ولا يقبل اللبس".
وتابع: "آمل أن تجيب في الساعات المتبقية على المهلة الثانية بكل الوضوح الذي يريده المواطنون ويتطلبه القانون".
وكان بوتشيمون دعا راخوي إلى اجتماع "في أقرب وقت ممكن"، لحلِّ أسوأ أزمة سياسية تمرُّ بها البلاد منذ انتهاء نظام الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو في 1975.
وأتت خطوة بوتشيمون مع انتهاء مهلة حدَّدتها مدريد لتوضيح موقفه من مسألة الإعلان عن استقلال الإقليم.
إلا أن رئيس كتالونيا لم يعطِ في رسالته إجابةً واضحةً ونهائيةً على طلب مدريد توضيح الالتباس الناجم عن إعلان بوتشيمون الأسبوع الماضي: "أنا أقبل تفويض الشعب لكي تصبح كتالونيا جمهورية مستقلة"، في أعقاب استفتاء حظرته مدريد وأيَّد خلاله 90% من المشاركين استقلال الإقليم عن إسبانيا.
ثم ما لبث أن علق فوراً تنفيذ الإعلان إفساحاً في المجال أمام الحوار مع مدريد، التي سارعت إلى رفض أي نقاش في المسألة.
وحدَّدت مدريد لوبتشيمون الأربعاء الماضي مهلةً انتهت صباح الإثنين، لتوضيح موقفه من إعلان الاستقلال، محذرةً من أنها ستفرض سيطرتها المباشرة على كتالونيا إذا أصرَّ الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي على الانفصال.
وكتب بوتشيمون في رسالة وجَّهها الإثنين إلى راخوي "سيكون هدفنا الأساسي في الشهرين المقبلين إحضارك إلى (طاولة) الحوار".
إلا أن وزير الخارجية الإسباني ألفونسو داستيس، قال إن رئيس كتالونيا لم يعطِ جواباً واضحاً.
وأعلن داستيس في مؤتمر صحفي في لوكسمبورغ، أنه "من الواضح أن السيد بوتشيمون لم يُعطِ جواباً، ولم يوفِّر الوضوح المطلوب منه".
ويتابع الاتحاد الأوروبي، الذي تعرَّض لضربة بسبب بريكست، الأزمةَ في كتالونيا بقلق، كما أنه أبدى تضامنه مع مدريد.
وإضافة للتوتر القائم، مَثل قائد شرطة كتالونيا جوزيب لويس ترابيرو أمام القضاء الإسباني في مدريد، الإثنين، لاستجوابه بتهمة العصيان، وعدم منعه إجراء الاستفتاء المحظور، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول.
ورغم مطالبة النيابة باحتجازه على ذمة المحاكمة، سمحت المحكمة له بالمغادرة دون أن تحتجزه.
وقد يواجه ترابيرو، الذي بات شخصاً ذا شعبية كبيرة في كتالونيا لتعامله الجيد مع الهجمات الجهادية في برشلونة، في أغسطس/آب الماضي- حكماً بالسجن يصل إلى 15 عاماً إذا ما أدين بالعصيان.
"التصدي للمشكلة"
ويريد بوتشيمون وبعض حلفائه الانفصاليين إجراء وساطة مع مدريد، حول مصير الإقليم وسكانه البالغ عددهم 7,5 مليون نسمة، وهو ما ترفضه مدريد بشكل قاطع.
وكتب بوتشيمون في رسالته إلى رئيس الوزراء الإسباني، أن قيامه "بتعليق التفويض السياسي الذي منحه إياه استفتاء الأول من أكتوبر/تشرين الأول، يبرهن عن إرادتنا الصلبة من أجل إيجاد حل وليس الصدام".
ودعا بوتشيمون في رسالته إلى عدم السماح بمزيد من تدهور الأوضاع، وجاء في الرسالة "بنية حسنة، وإقراراً بالمشكلة وتصدياً لها، أنا متأكد من أننا سنتمكن من إيجاد سبيل للحل".
وكان وزير الداخلية الإسباني خوان إيناسيو زويدو، قال إن مدريد تريد من بوتشيمون تراجعاً تاماً عن الإعلان.
وقال زويدو في مؤتمر صحفي نهاية الأسبوع الماضي، إن عدم إعطاء جواب واضح "سيُظهر أن بوتشيمون لا يريد الحوار، وبناء عليه سيتعين على الحكومة الإسبانية اتخاذ التدابير الضرورية لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها".
بين المطرقة والسندان
وكتالونيا منطقة صناعية غنية في شمال شرقي إسبانيا، تسهم في قرابة 20% من الاقتصاد الإسباني، ولها لغتها الخاصة وتقاليدها وعاداتها الثقافية.
وأعلنت الحكومة الإقليمية أن 90% من المقترعين أيدوا الاستقلال، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الكتالونيين منقسمون حيال هذه المسألة.
ويؤكد الانفصاليون أن المنطقة تدفع عبر الضرائب أكثر مما تجني عبر الاستثمارات والتحويلات من مدريد، وأن انفصالها عن إسبانيا هو مفتاح ازدهارها.
وتقول الحكومة الإسبانية إن الضبابية في مسألة كتالونيا، التي ترزح تحت وطأة ديون كبيرة لمدريد، التي لا يمكنها الاستدانة من جهات خارجية، تعرقل تعافي إسبانيا من الأزمة المالية.
ونقل أكبر مصرفين في كتالونيا مقرَّيهما إلى خارج الإقليم، فيما أعلنت وكالة التصنيف "ستاندرد آند بورز"، التي تدرس خفض تصنيف كتالونيا أن المنطقة معرَّضة للكساد، في حالة استمرار الخلاف حول الاستقلال.
ويتعرَّض بوتشيمون (54 عاماً)، الصحفي السابق والأب لولدين لضغوط كبيرة من مدريد وقادة دول كبرى، للتراجع عن إعلان الاستقلال، كما يتعرَّض لضغوط داخلية من حلفائه الانفصاليين في كتالونيا، للمُضي قُدماً في الانفصال عن إسبانيا.
ودفعت الأزمة في كتالونيا رئيس الحكومة الإسبانية إلى التلويح بتفعيل المادة 155 من الدستور، التي تجيز "تسلم إدارة المؤسسات" في الإقليم، وهو أمر غير مسبوق.
في المقابل هدَّد حلفاء بوتشيمون الانفصاليون بإضرابات وتظاهرات حاشدة في حال التراجع.