صباح يوم السبت 14 أكتوبر/تشرين الأول 2017، أعدَّت مريم غيدي وجبة الإفطار لعائلتها، وحملت كتبها وحاسوبها وشقَّت طريقها عبر مقديشو، كي تلتقي بمشرفها الدراسي في جامعة بنادر لمناقشة الرسالة الخاصة بها. لقد كانت متحمّسة بشأن احتمال تخرّجها كطبيبة هذا الأسبوع، قبل أن يهزَّ العاصمة الصومالية ذاك التفجير.
فوجد والدها -الذي جاء إلى البلاد من المملكة المتحدة لحضور حفل تخرج ابنته- نفسه في جنازتها، فكانت مريم التي رحلت عن عمر يناهز 24 عاماً من بين من 300 شخص لقوا حتفهم في تفجيرٍ ضخم وسط المدينة، ظهر السبت الماضي، بحسب ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية.
ومن المتوقّع أن يرتفع عدد ضحايا الهجوم، حيث يقول عمّال الإنقاذ إن العدد الحقيقي لمن لقوا مصرعهم، جراء انفجار شاحنة مفخخة تحتوي على مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة العسكرية ومحليّة الصنع، قد لا يتم تأكيده على الإطلاق؛ فالحرارة الهائلة التي نجمت عن الانفجار، الذي أسفر أيضاً عن اشتعال ناقلة نفط، يعني أنه لا يوجد أثر تقريباً لجثامين بعض الضحايا. في حين أن البعض قد دُفِنوا من قِبل عائلاتهم بسرعة بما يتماشى مع التقاليد الإسلامية.
ويقول عدن نور، الطبيب بمستشفى المدينة: "لم يتم التعرف على جثامين 160 شخصاً، لذلك قامت الحكومة بدفنهم يوم الأحد"، وأضاف قائلاً "دُفِن آخرون من قِبل ذويهم، وقد نُقِل أكثر من 100 جريح إلى المستشفى أيضاً".
ومن بين الضحايا، كان هناك عدد من كبار الموظفين المدنيين، وخمسة من المتطوّعين الطبيين، وصحفي، ولكن أغلب الضحايا كانوا من الأشخاص العاديين الذين تواجدوا آنذاك في أحد أكثر الطرق ازدحاماً في مقديشو، تلك المدينة التي تعرَّضت لتفجيرات متعدِّدة في السنوات الأخيرة الماضية.
ويقول شهود عيان إن الانفجار، الذي يُعتقَد أنه كان يستهدف وزارة الخارجية الصومالية، قد تسبَّب في هدم عدة مبانٍ في منطقة تعادل مساحتها نحو ثلاثة ملاعب كرة قدم. وقد أُلقي القبض على ما لا يقل عن شخصين، ويقول مسؤولون صوماليون إنهم واثقون من أنهم "سيتتبَّعون شبكة المجرمين".
ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث، إلا أنه يُعتقد أن حركة الشباب الصومالية المتطرفة التي تتخذ من الصومال مقراً لها كانت وراء الحادث.
وقال سائق سيارة ثانية صغيرة الحجم، كانت مليئة بالمتفجرات، وأُلقي القبض عليه يوم السبت، للمحققين، إنه عضو بحركة الشباب.
وقال أحد المسؤولين الأمنيين: "لقد أخبرنا بكل شيء، هو فخور بمشاركته، وقال إنه فعل ذلك من أجل الجهاد".
واستمرّت الجنازات طوال اليوم، حيث كان الأقارب يتوافدون في حالة فقدٍ مروّعة.
وقالت هندا يوسف، والدة مريم غيدي: "لقد فقدت أعزَّ شخص في حياتي. لقد قتلوا كل أملي، أنا لا أعرف لماذا قتلوا ابنتي. أنا أسأل حركة الشباب: لماذا تفعلون بنا هذا السوء؟ فليساعدنا الله".
وأضافت: "كانت ابنتي فتاةً غير عادية، كانت طالبة مُحترمة، لم تعارض أبداً أيَّ شخص في العائلة، وأَحبَّها جميع جيراننا، نحن نناديها بـ"المحبوبة" بسبب شخصيتها الجيدة. لقد ربَّيتُها في ظروف عصيبة، وبعدما غادرت المدرسة الثانوية التحقت بالجامعة، وكان طموحها أن تصبح طبيبة".
وبعد لقاء مريم بمشرفها الدراسي، توقَّفت لفترة وجيزة في مستشفى التوليد، الذي كانت تعمل به بصفتها طالبة بكلية الطب، واتصلت بوالدتها لتخبرها أنها ستذهب لشراء بعض الملابس مع أصدقائها من أجل حفل التخرّج".
وقالت هندا: "تقريباً وقت أذان الظهر، سمعت انفجاراً كبيراً، ولكن صوت الأسلحة والتفجيرات يعد جزءاً من الحياة في مقديشو، لذلك لم أشعر بالقلق".
وكانت مريم وأصدقاؤها في متجر قريب من فندق "سفاري"، عندما وقع الانفجار.
تقول والدتها: "نحو الساعة الرابعة عصراً، تلقَّيتُ اتصالاً من أحد الأقارب، وأخبرني أن ابنتي مفقودة، فاتَّصلت بها ولكن هاتفها لم يرد، ظللت أحاول، ثم ردَّ عليَّ شخصٌ لا أعرفه، وقال لي إن ابنتي تُوفِّيت، وإن جثمانها راقد بالقرب من مدخل الفندق، حيث وقع الانفجار".
ودُفنت مريم ، صباح يوم الأحد، في مقابر البركات شمالي مقديشو.
وبين الضحايا أيضاً كان هناك محمود حسن إلمي، وهو موظف حكومي كبير في مجال المساعدات الإنسانية بالصومال، ويحمل الجنسيتين الأميركية والصومالية، وكان إلمي البالغ من العمر 35 عاماً بين الكثير من الشباب الصوماليين الذين عادوا إلى البلد في السنوات الأخيرة الماضية، حيث انتقل إلى مقديشو قبل ثماني سنوات بعد تخرّجه في جامعة ولاية أوهايو الأميركية.
يقول شقيقه الأصغر سيد حسن إلمي: "كان أخي مُحباً للخير والإنسانية، حتّى في أوهايو، كان يقول دائماً إنه يرغب في مساعدة الناس في الصومال، لأنه يرى صوراً للجوعى في البلاد".
ورفض محمود، وهو أب لستّة أطفال، مطالبَ زوجته وأقاربه بالعودة إلى أوهايو بعد مقتل ابن عمّه رمياً بالرصاص في مقديشو قبل عامين.
يتذكر أخوه ما جرى، مُضيفاً: "لقد قال: لن أهرب في حين أن الناس في حاجة لعملي".
وأعلن الرئيس محمد عبد الله محمد، الحدادَ الوطني لمدّة ثلاثة أيام، وانضمَّ إلى آلاف الناس الذين استجابوا لنداءات المستشفيات للتبرّع بالدم للجرحى.
ويشار إلى أن محمد عبد الله، الذي تولَّى السلطة في فبراير/شباط، قد تعهَّد بتخليص البلاد من حركة الشباب، غير أنه يواجه تحدّيات هائلة، منها المجاعة، واشتداد شوكة موجة التمرد المسلح، رغم التصعيد العسكري المضاد الذي تدعمه الولايات المتحدة.