قبل أن يخرق ترامب تقليداً تاريخاً ممتداً، وذلك بجعله المملكة العربية السعودية أول وجهة له في زياراته الخارجية كرئيس، حيث لاقى استقبالاً محفوفاً بالهدايا الكثيرة، وتشير التقارير إلى أنه وقَّع صفقة أسلحة حققت رقماً قياسياً جديدة مع المملكة (بعد أن تواصلت إدارته مع الرئيس التنفيذي لشركة لوكهيد مارتن للحصول على أسعار أرخص للمملكة).
وقبل أن يشارك بعدها في رقصة سيوف مخصصة للرجال فقط في الرياض، وقبل أن يعمل على حشد التأييد لحرب السعودية باليمن التي انتقدها الكثيرون، وقبل أن يزعزع من موقف وزير خارجيته، وذلك باصطفافه الواضح مع السعودية في نزاعها الدبلوماسي مع قطر. قبل أن يحدث أي من هذا في الحقيقة، وجَّه ترامب نقداً لاذعاً للمملكة، وفق موقع ديلي بيست الأميركي.
في الحقيقة، ذهب ترامب، الذي كان مرشحاً رئاسياً حينها، إلى حد القول مرتين في يوم واحد في فبراير/شباط 2016، إن المملكة العربية السعودية هي من تقف خلف هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. لام ترامب، خلال مناظراته الرئاسية مع هيلاري كلينتون، مؤسسة هيلاري كلينتون؛ لحصولها على مساهمات من سعوديين، قائلاً: "هؤلاء أناس يقتلون النساء ويعاملوهن بقسوة بالغة، ومع ذلك تأخذون منهم الأموال!".
منذ ذلك الحين، سمح ترامب لما يساوي قيمته ما يقرب من المليار دولار من الأسلحة بالوصول للمملكة العربية السعودية، وفقاً لتحليل جديد أجرته "الديلي بيست" على بيانات التصدير من مكتب الأحصاء بالولايات المتحدة الأميركية. في الاشهر الثمانية الأولى من عام 2017، سلمت الولايات المتحدة الأميركية أسلحة تساوي قيمتها الإجمالية 1.56 مليار دولار إلى المملكة العربية السعودية، خلال هذه الفترة باعت الولايات المتحدة للمملكة أكثر من ضعف ما كانت تبيعه لها سابقاً من الصواريخ والذخائر وما يقارب ضعف المركبات الحربية المصفحة مثل دبابات M1، وذلك بمقارنة هذه الأرقام مع مثيلتها في الأشهر الثماني الأولى من عام 2016، في ظل حكم إدارة أوباما.
بالإضافة إلى ذلك، اكتشفت "ديلي بيست" أن إدارة ترامب شحنت ما يساوي قيمته 561 مليون دولار من القنابل والصواريخ، و503 ملايين دولار من المركبات الحربية وقطع الغيار، و552 مليون دولار من قطع غيار وصيانة الطائرات الحربية مثل مروحيات الأباتشي والبلاك هوك وطائرات الـF15 لاستخدامها في حرب اليمن المدمِّرة. ومثل إجمالي قيمة الأسلحة المصدرة للمملكة العربية السعودية زيادة بمقدار 70 مليون دولار مقارنة بفترة الأشهر الثمانية نفسها في عام 2016.
كشفت وثيقة من البيت الأبيض جانبا من تفاصيل صفقة الأسلحة التي وقعتها الولايات المتحدة والسعودية خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب للمملكة في أيار/مايو، وتبلغ قيمتها 110 مليارات دولار، وفق تقرير لقناة الحرة الإخبارية.
وحسب المعلومات المتوفرة في الوثيقة التي نشرها موقع Defense News، فإن الجزء الأكبر مما تم توقيعه في الصفقة كان مذكرات نوايا بمبيعات محتملة لأسلحة بقيمة 84.8 مليار دولار، تم عرضها على الحكومة السعودية خلال زيارة ترامب.
الخبراء ينتقدون
وعلى جانب آخر، انتقد خبراء مراقبة تصدير الأسلحة هذه الزيادة لعدة أسباب، لعل أهمها الأزمة الإنسانية التي تعصف باليمن. جيف أبرامسون الخبير بجمعية السيطرة على الأسلحة، أخبر "الديلي بيست": "لا يجب على الولايات المتحدة إرسال المزيد من الأسلحة إلى صراعات لا يمكن حسمها وإلى أيدي دول تستخدم الأسلحة الأميركية ضد أهداف مدنية. بدلاً من ذلك، يجب على إدارة ترامب أن تستخدم نفوذها لإيجاد حل سياسي للحرب المدمرة في اليمن والتي أدت إلى أزمة إنسانية هائلة بالبلاد".
قُتل أكثر من 10 آلاف مدني في هذه الحرب وجُرح ما يزيد على 40 ألفاً آخرين. أغلب هذه الإصابات كانت نتيجة للهجمات الجوية للتحالف السعودي. هذه الحرب التي تقودها السعودية، أدخلت اليمن الفقير إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. فأكثر من 19 مليون شخص -أي ما يقارب 80% من السكان- يحتاجون لنوع من أنواع المساعدة الإنسانية.
وصرح خبير أسلحة آخر هو جولبي جودمان، مدير وحدة مراقبة الدعم الأمني بمركز السياسة الدولية، لـ"الديلي بيست"، قائلاً: "هناك الكثير من القلق يحوم حول دفعة إدارة ترامب الكبيرة من الأسلحة، وحول إزالة بعض القيود التي وضعتها إدارة أوباما على مبيعات الأسلحة، مثل الذخائر الموجهة بدقة للمملكة العربية السعودية. بشكل عام، نحن قلقون من أن إدارة ترامب تخفض السقف وتقلل من المراجعات والقيود المبنية على حقوق الإنسان. هذا الأمر يزداد وضوحاً في مسألة بيع الذخائر الموجهة بدقة، للمملكة العربية السعودية".
قرار ترامب بتخفيف القيود التي فرضها أوباما على مبيعات الأسلحة، يأتي في الوقت الذي يعاني فيه اليمن أكبر وأسرع موجة وباء كوليرا تم تسجيلها في التاريخ، مع توقعات بإصابة 600 ألف طفل بنهاية العام. من غير المفاجئ إذن أن خبراء حقوق الإنسان قلقون من أن تصاعد الأعمال الحربية يزيد من سوء الأوضاع السيئة أصلاً في اليمن.
وقالت سارا لي ويتسون، المديرة التنفيذية لـ"هيومان رايتس ووتش" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لـ"الديلي بيست"، إن "صادرات الأسلحة المستمرة من الولايات المتحدة الأمبركية إلى السعودية، إلى جانب الدعم الاستخباراتي والتوجيه وإعادة التزويد بالوقود الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى السعودية- لا تعد غير أخلاقية فقط؛ بالنظر إلى القصف السعودي المتهور والعشوائي الذي أدى إلى هذا الدمار الهائل في اليمن؛ بل وتخلق أيضاً تهديدات خطيرة على الولايات المتحدة من حيث المسؤولية القانونية والتواطؤ في جرائم الحرب المرتكبة. ليس هناك يمني واحد لا يعرف أن القنابل الأميركية هي التي تقتل آلاف اليمنيين. يجب ألا يندهش أحد عندما ترتد هذه الحقائق لا محالة للانتقام من الأميركيين".
تقف مخاوف ويتسون حول جرائم الحرب على أرضية صلبة. العام الماضي، قصف التحالف السعودي سرادق عزاء كبيراً في صنعاء باليمن؛ ما أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من 600 شخص. وصفت الأمم المتحدة الحادثة بأنها جريمة حرب؛ لأنها كانت من الهجمات التي تسمى الهجمة الجوية المزدوجة، حيث تستهدف الهجمة الثانية الأشخاص الذين تجمعوا لإنقاذ المصابين من الهجمة الأولى.
وأكدت كيت كيزر، وهي خبيرة أخرى في حقوق الإنسان ترأس مشروع السلام اليمني الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، مخاوف ويتسون إزاء قانونية بعض عمليات التحالف العسكري، قائلةً: "الهجمات الجوية للتحالف هي السبب الأول للإصابات في صفوف المدنيين بالصراع، وهناك رابط واضح بين الهجمات الجوية للتحالف على البنية التحتية المدنية الحيوية وأزمات المجاعة والكوليرا التي تعصف بجميع أرجاء البلاد".