رأت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أن الأسباب التي طرحها ترامب، أمس الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول 2017، في خطابه الحاسم بشأن إيران، تتضمن العديد من التصريحات المُضلِّلة والمُجتزأة بشأن بنود الاتفاقية، والتي يراها تُمثِّل انتهاكاً للاتفاق من قبل إيران نفسها.
ونشرت الصحيفة الأميركية تقريراً مفصلاً يُفنِّد الانتقادات التي قدمها ترامب في خطابه عن الاتفاق النووي، الذي ينظر إليه أنه أسوأ اتفاق وقعته بلاده.
رواية مُجتزأة عن التاريخ الإيراني
رأت الصحيفة الأميركية أن ترامب قدَّم روايةً مجتزأة عن التاريخ الإيراني، وذلك عندما وصف النظام هناك بأنه متعصب، واستولى على السلطة عام 1979، "مجبِراً شعباً أبياً على الإذعان لحكمه المتطرف"، كما انتقد طهران في تعاملها مع أزمة الرهائن الأميركيين عام 1979، ورعايتها للإرهاب، ودعمها لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
واستشهدت نيويورك تايمز بتصريحات الأستاذ الإيراني في جامعة يال، عباس أمانات، الذي اعتبر تصريحات ترامب منقوصة، ورأى أنها تحتاج إلى ذكر المزيد بشأن سياقها، مضيفاً: إن ثورة عام 1979 كانت حركة شعبية، وإن الحكومة رغم كونها قمعية تميل إلى الاعتدال مع مرور الوقت".
وأضافت الصحيفة الأميركية على كلام أمانات، أن ترامب حذف عن إيران نقطة تحوُّل محورية حديثة: وهي ظهور الحركة الخضراء في عام 2009 عندما نزل المتظاهرون إلى الشوارع الإيرانية للاعتراض على انتخاب الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، والمطالبة بمزيدٍ من الحرية السياسية. وطالب البعض حتى بعزل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وقال أمانات: "أي محاولةٍ للتراجع عن الاتفاق أو فرض عقوباتٍ جديدة على النظام الإيراني سيكون لها آثار سلبية هائلة على السياسيين المعتدلين في إيران، بينما سيُعزِّز ذلك نفوذ المتشددين في المقابل".
تصريحات مُضلِّلَة بشأن "المكاسب المالية الفورية" التي حققتها إيران من الاتفاق النووي.
توقفت الصحيفة عند نقطة أخرى طَرَحَها ترامب في خطابه، عندما قال إن الاتفاق النووي منح إيران أكثرَ من 100 مليار دولار، والتي يمكن أن تستغلها في تمويل "الإرهاب".
وتُبين نيويورك تايمز أن الاتفاق النووي لم يمنح إيران أي أموال، وأن هذا المبلغ الذي ذكره ترامب أُفرج عنه في إطار أصول مالية كانت مجمدة سابقاً.
وتابعت: "يتعلق جزءٌ كبير من هذا المبلغ بالتزامات ديون، فـ20 مليار دولار منها على سبيل المثال تدين بها إيران للصين مقابل تمويلها مشروعاتٍ محلية. ويتراوح قدر المال الحقيقي المتاح لإيران من 35 إلى 65 مليار دولار".
واعتبرت الصحيفة الأميركية أن تصريحات ترامب غامضة وغير كاملة، فالأموال التي نقلتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بالفعل 1.7 مليار دولار إلى إيران، بواسطة الطائرة هي عبارة عن مستحقات متعلقة بنزاع ممتد لعقود، ولم يكن يتعلق بالاتفاق النووي بصورة مباشرة.
فقبل اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979، كان شاه إيران قد دفع 400 مليون دولار مقابل شراء أسلحة أميركية، لكن، بعد الإطاحة بالشاه، لم تُسلَّم الأسلحة قط. وطالب رجال الدين الذين سيطروا على الحكم باستعادة المال، لكنَّ الولايات المتحدة رفضت هذا. أمَّا المبلغ الإضافي، الذي يصل إلى 1.3 مليار دولار، فعبارة عن فوائد متراكمة على مدار 35 عاماً. وصدر أول تعويض مالي بعد تنفيذ الاتفاق الإيراني ولتأمين إطلاق سراح الرهائن الأميركيين.
أما فيما يتعلق بمزاعم ترامب بأنَّ "النظام الإيراني أرهب المحققين الدوليين لمنعهم من استخدام صلاحيات التفتيش الكاملة المخولة لهم بموجب الاتفاق"، فقالت الصحيفة الأميركية، أن البيت الأبيض لم يجب عندما طُلِبَ منه ذكر إحدى حوادث الترهيب هذه.
وقال ريتشارد نيفيو، وهو مُنسق سابق في ملف فرض العقوبات لدى وزارة الخارجية الأميركية، وباحث بارز لدى مركز سياسات الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا: "على حد علمي، لا يوجد أي دليلٍ على هذا الأمر. لم تقل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلقاً إنَّ الوضع كان هكذا".
ورداً على زعم ترامب بأن الاتفاق النووي مع طهران يتيح إجراءات مراقبة ضعيفة، قال المدير العام لوكالة الطاقة الذرية الدولية يوكيا أمانو، إن طهران قبلت بأشد عمليات التفتيش في العالم و"تخضع في الوقت الحاضر لأشد نظام تحقق نووي في العالم"، وفقاً لما نقلته الجزيرة نت.
وأوضح أن وكالة الطاقة الذرية دخلت حتى الآن إلى المواقع التي طلبت زيارتها. يأتي ذلك بعد توجيه اتهامات للمفتشين التابعين للوكالة بعدم استخدام كامل صلاحياتهم بسبب الضغوط الإيرانية.
كما أكد المدير العام لوكالة الطاقة الذرية، أن إيران تنفذ التزاماتها وفق الاتفاق النووي.
المبالغة في الإشارة إلى قرب "انتهاء بنود" الاتفاقية
زعم ترامب أنَّ بنود الاتفاقية التي تحد من قدرات إيران النووية ستنتهي في "غضون سنوات قليلة". في الواقع، تمتد صلاحية البنود الرئيسية في الاتفاق لعقودٍ أو أكثر. وقالت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك)، وهي معارض صريح للاتفاقية، إنَّ "صلاحيتها ستنتهي بعد 15 عاماً فقط"، حسبما ذكرت نيويورك تايمز الأميركية.
ووفقاً لبنود الاتفاقية، لا تستطيع إيران استخدام أكثر من 5060 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم -ولا تستطيع مواصلة أبحاث وتطوير أجهزة الطرد المركزي- لمدة 10 سنوات.
وتمتد القيود المفروضة على مستويات التخصيب، والمرافق، والمخزون لمدة 15 عاماً، وفقاً لتقريرٍ لمكتبة الكونغرس، صَدَرَ في سبتمبر/أيلول الماضي.
ووفقاً لبنود الاتفاقية أيضاً، وافقت إيران على تحويل منشأة لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض إلى "مركز تكنولوجي" لا يحتوي على مواد نووية، بالإضافة إلى وضع قيود على عدد أجهزة الطرد المركزي المسموح بوضعها فيه لمدة 15 عاماً. وتستمر صلاحية بنودٍ عديدة تتعلق بعنصر البلوتونيوم، والتي من بينها حظر إنشاء مفاعلات مياه ثقيلة جديدة، لمدة 15 عاماً وفقاً لما ذكرته الجزيرة نت.