رغم إعاقته، لكنّ عدن عبد الرحمن، الصبي العراقي ذو الـ13 عاماً -الذي فرّ وعائلته من ويلات الحرب في كركوك وأخذوا يكافحون للعثور على إقامة في أوروبا- كان مشرقاً وسعيداً، قبل أن يفارق الحياة السبت الماضي في شمال إيطاليا.
وبوفاة عدن، سُلطّت الأضواء مجدداً على عيوب نظام الهجرة في أوروبا، فأعادت السلطات في مدينة بولزانو، بمقاطعة ألتو أديجي الواقعة بالقرب من الحدود النمساوية، النظر في معاملتها للمهاجرين.
وبحسب ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية، الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول 2017؛ توفّي عدن، الذي كان يعاني من عسر النمو العضلي (الحَثَل العضلي)، في الساعات الأولى من يوم الأحد 8 أكتوبر/تشرين الأول، أثناء تعافيه من سقطة عن كرسيه المُتحرّك. ولم يتم تأكيد سبب الحادث، ولكنه كان يعاني صعوبات في التنفّس وأصيب بالتهاب في الأيام التي سبقت وفاته.
وتحدّثت عائلته عن أسبوع شاق مرّوا به بعدما وصلوا إلى إيطاليا، إذ كانوا يكافحون للعثور على إقامة، حتّى أنهم قضوا ليلة أسفل أحد الجسور.
ويتحدث حسين عبد الرحمن، والد عدن الذي يبلغ من العمر 36 عاماً، في حديث أجرته الصحيفة معه هاتفياً، عن زوجته التي كانت تبكي إلى جواره: "إنها لا تستطيع الأكل، لا تستطيع الشرب، لا تستطيع النوم"، وأضاف "إنها مُحطّمة بالكامل".
ولم تكن هذه هي أول فاجعة للعائلة؛ فقبل عامين، قُتِلت أخت عدن التي كانت في الخامسة من عمرها جراء انفجار سيارة مفخخة في كركوك، بإقليم كردستان العراق. وفرّت العائلة إلى أوروبا، ووصلت إلى السويد التي استقبلت أكثر من 160 ألف طلب لجوء في عام 2015.
ولكن قيل لهم في سبتمبر/أيلول من هذا العام إن طلبهم قد قوبِل بالرفض، وأن أمامهم مهلة أقصاها 21 يوماً لمغادرة البلد قبل أن يتم ترحيلهم إلى بلدهم.
يقول عبد الرحمن: "لقد قِيل لنا إن علينا مغادرة البلد، أو العودة إلى كركوك، ولكنّها ليست مكاناً آمناً".
ولأن قواعد الاتحاد الأوروبي تسمح للعائلة بإعادة تقديم طلب اللجوء في دولة أُخرى، فقد غادرت العائلة السويد بالقطار وقطعوا رحلة مدّتها ثلاثة أيام مُتجهين نحو جنوب أوروبا، مروراً بالدنمارك وألمانيا والنمسا، وصولاً إلى شمال إيطاليا التي سمعوا عن تواجد جالية كردية فيها.
وصلت العائلة إلى بولزانو في 1 أكتوبر/تشرين الأول، وقضت أول ليلة لها أسفل إحدى الجسور. وفي اليوم التالي، قاموا بزيارة مؤسسة كاريتاس الخيرية التي تديرها كنيسة كاثوليكية، والتي أبلغت الخدمات العامة أن أُسرة بها أربعة أبناء تتراوح أعمارهم بين 6 و13 عاماً في حاجة إلى سكن.
ولكن الطلب قوبِل بالرفض، بسبب لائحة كريتيلّي المحلية، التي تفرض قيوداً على استقبال مهاجرين دخلوا إلى إيطاليا من بلدان أُخرى بالاتحاد الأوروبي، أو لم تتم إحالتهم من قِبل وزارة الداخلية الإيطالية. وعلى الرغم من أن الجمعية الخيرية واصلت محاولتها، مُشيرة إلى إعاقة عدن، لم تكن هناك جدوى.
يقول عبد الرحمن: "لقد قالوا لنا إن كافة مقار الإقامة الخاصة باللاجئين ممتلئة، وبدلاً من ذلك عرضوا علينا دفع تذكرة قطارنا لنذهب إلى مكان آخر في إيطاليا".
وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول، توجّهت الأسرة إلى مقر الشرطة لتحديد موعد لطلب اللجوء ليجدوا المكتب مُغلقاً. وفي ذاك المساء أخذت صحّة عدن في التدهور، إذ كان يعاني من صعوبة في التنفّس وآلاماً في جسده، لذلك أُخِذ إلى المستشفى، وهُناك قضى هو وأُسرته الليل.
وأُخرِج عدن من المستشفى في 4 أكتوبر/تشرين الأول، وتم تسكين العائلة في فندق دفع ثمن إقامتهم فيه مُتطوّعون، ولكن في اليوم التالي، كان الفندق محجوزاً بالكامل، لذلك نامت الأسرة على أرضية كنيسة إنجيلية.
وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول، سقط عدن عن كُرسيه المتحرّك بينما كانت الأسرة في طريقها إلى بنك الغذاء في كاريتاس، بعد زيارتهم الثانية لمقر الشرطة.
وحينها أُخّذ إلى المستشفى وخضع لعملية، وبدأ يتعافى على نحو جيد مقارنة بما سبق، قبل أن يُصاب بالتهاب وحُمّى. وتُوفي عدن في الساعات الأولى من صباح الأحد 8 أكتوبر/تشرين الأول.
وقالت مارثا مارثا ستوكر، العضوة بمجلس إدارة السلطة المحلية في بولزانو، في بيان، إن العائلة كان لها حق الإقامة لمدّة ثلاثة أيام، وإن طلبهم ربما رُفض "بسبب نقص المعلومات"، حسب وصفها.
وأعربت عن تعازيها للأسرة، بينما سلّطت الضوء على ما وصفته بـ"الحاجة إلى تحسين التواصل بين مُختلف المؤسسات العامة والجمعيات التطوعية والمحافظة والدولة والبلديات".
ولكن توماس برانكا، وهو مستشار قانوني في جمعية الدراسات القضائية للهجرة، قال إن هناك وثيقة أثبتت أن المستشفى زود السلطات بمعلومات عن حالة عدن الطبية يوم خروجه منه، وحثّهم على توفير سكن للعائلة.
وأَضاف قائلاً بشأن الخدمات الاجتماعية "لقد طبّقوا القواعد بطريقة تقييدية على هذه العائلة. وفي الوقت الذي كان عليهم اتخاذ قرار، لم يجدوا أن حالة الأسرة خطيرة بما يكفي"، وتابع قائلاً "لقد حاولوا أيضاً لوم المتطوعين لأنهم أخبروا المستشفى إنهم يعتنون بالعائلة".
ودعت مفوّضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين إلى إلغاء لائحة كريتلّي، وإلى إيضاح بولزانو إجراءاتها المحلية بشأن استقبال اللاجئين للتأكد من امتثال المدينة لقوانين حقوق اللاجئين على المستوى الوطني ومستوى الاتحاد الأوروبي، لا سيّما فيما يتعلّق بالقُصّر والضعفاء".
ويعيش نحو 700 شخص في مراكز اللاجئين الأربعة في مدينة بولزانو، بينما يُعتقد أن هناك 100 شخص يجدون عناءً في إيجاد مكان لنومهم، بحسب أرقام أشار إليها متطوّعون.
وعلى الرغم من أن بولزانو تقوم باستيعاب حصّة اللاجئين المنوطة لها على المستوى المحلي، يقول فرانسيسكو باليرمو، وهو عضو بمجلس الشيوخ يمثّل المنطقة على المستوى الوطني، إن المدينة فرضت قيوداً على الأعداد.
وقال باليرمو إن هذا يرجع إلى التوترات على الحدود مع النمسا، التي هددت بنشر قوات لمنع وصول اللاجئين إلى إيطاليا، فضلاً عن تجنّب الرغبة في الظهور كمكان ملائم لوفود الناس.
وأضاف قائلاً "إنه ليس أمراً منطقياً أن تكون تلك المنطقة الغنية ليست مُجهزة للتعامل مع المشكلة"، وتابع "السياسة قائمة، ولكن عندما ترى أن هناك هشاشة في النظام، فستكون إذاً في حاجة إلى أن تبدأ في مساءلة نفسك. هذه القصة الحزينة ستثير المزيد من التفكير. أي نوع من المجتمعات نريد أن نكون".