العدل والإحسان “الملاحقة” تدعو للمصالحة.. سيناريوهات النظام في المغرب للتعامل مع دعوة أكبر تكتل إسلامي بالبلاد

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/10 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/10 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش

أعادت دعوة نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، فتح الله أرسلان، النظام في المغرب، إلى فتح صفحة جديدة و طيِّ ملف الاعتقالات ووقف التضييق على الجماعة، النقاش إلى الواجهة حول علاقة الجماعة، التي تعتبر أكبر تكتل إسلامي في المغرب، بالنظام، وما إن كانت هذه الرسالة تؤشر على تغير في مواقف الجماعة إزاء الدولة والنظام، أو كفيلة بالنسبة للدولة لإحداث أي تغيير في تعاطيها مع الجماعة، في أفق الاعتراف بها، وإدماجها في اللعبة السياسية.

صفقة مع النظام؟

تُحيل معطيات المشهد السياسي المغربي إلى وجود تحديات كبيرة، تقف أمام خيار الاندماج في العمل السياسي بالنسبة للجماعة وبالنسبة للدولة، أو على الأقل للجناح الأكثر اعتراضاً على إدماجها على المدى القريب والاستجابة لدعوات المصالحة؛ فهذه العملية لا تنبني فقط على مجرد تغيير عدد من القناعات الفكرية والسياسية تجاه المؤسسة الملكية؛ حيث إن دخول هذا الفاعل الكبير، حسب المتخصص في شؤون الجماعة إدريس الكنبوري، يحتاج تحضيراً مسبقاً من طرف الدولة، لما ستكون عليه توازنات خارطة المكونات السياسية للبلاد، حتى مع فرضية تغيير الجماعة لبعض مواقفها السياسية.

يتمثل هذا الخيار في إيجاد صفقة مع النظام تتيح للجماعة إمكانية تأسيس حزب سياسي والاندماج في المشهد بشروط أفضل. إلا أن هذا الخيار تكتنفه صعوبات؛ حيث إن استيعاب وإدماج الجماعة بما تمثله من ثقل تنظيمي وبشري كبير يدفع الدولة إلى التفكير ملياً قبل اتخاذ هذا القرار، أو إرسال إشارات سياسية في هذا الباب؛ حيث يحمل خيار الإدماج إرباكاً حقيقياً لأسلوب إدارة الدولة للمشهد السياسي والتوازنات المطلوب تحققها فيه حسب الباحث.

ويضيف أن دخول فصيل إسلامي بهذا الحجم، مضافاً إلى فصائل أخرى (العدالة والتنمية أساساً وفصائل إسلامية أخرى) ستكون له نتائج، بدءاً من طبيعة الحكومات، وصولاً إلى العلاقة مع المؤسسة الملكية، مع المخاطر التي قد تتولد من التعامل مع فصيل سياسي لم يسبق ترويضه، أو اختبار درجة الثقة فيه ومستوى ولائه من قبل.

القبول بقواعد اللعبة

ويقتضي الانخراط في المشهد السياسي بشكل رسمي بالنسبة للنظام المغربي، القبول بقواعد اللعبة السياسية، وتقديم تنازلات، وهو الأمر الذي يعقد من مأمورية جماعة العدل والإحسان، التي تؤكد قيادتها بأنها لن تتخلى عن أدبياتها الفكرية والسياسية، رغم أنها تقدم من حين إلى آخر إشارات ضمنية للدولة، مفادها استعدادها لإحداث أي تغيير على مستوى المواقف السياسية، مما يعني أن هنالك حاجة لنوع من التفاهم بين الطرفين، في أفق بناء صفحة جديدة والتخلي عن إرث الماضي الثقيل، الموسوم بالتوجس والريبة.

فهل الدعوة الأخيرة لنائب الأمين العام للجماعة، مؤشر قوي على تذبذب مواقفها، وهل هي رسالة غير مباشرة لمن يهمهم الأمر. يرى إدريس الكنبوري في هذا الصدد أن "الجماعة لديها نوع من التذبذب في المواقف والخيارات، فهي تطالب بالتغيير الجذري، وأحياناً بالإصلاح، وأحياناً بتنفيذ القانون، وأحياناً أخرى بالحوار الوطني".

وأضاف ذات المتحدث أن "هذا التذبذب يعزز موقف الفاعل السياسي الذي لا يريد الإنصات إليها، لأنه لا يرى أطروحة سياسية واضحة"، مشيراً إلى أن "الجماعة دخلت منذ وفاة مرشدها والشيخ المؤسس في مرحلة جديدة، حيث فقدت كاريزما الشيخ المؤسس والمرشد، وبات عليها أن تغير من نهجها".

في نظر الباحث فإن الدولة تدرك أن الجماعة فقدت الكثير من بريقها، وأنها في شبه عزلة، ولذلك ستسعى إلى تقديم المزيد من التنازلات لكي تنتهي بقبول المشاركة السياسية من الداخل، أسوة بالأحزاب الأخرى.

مواقف متذبذبة

وقبل دعوة طي صفحة الماضي فقد دأبت جماعة العدل والإحسان منذ رسالة "إلى من يهمه الأمر"، التي وجَّهها المرشد الراحل ياسين إلى الملك محمد السادس غداة تقلده مقاليد الحكم سنة 1999، على إصدار بيانات استنكارية للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالبلاد، كلما سنحت لها الفرصة لذلك.

بيد أن الجماعة لم تنتج وثيقة سياسية تعكس في الواقع تحليلها للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للخروج، مما تسميه بـ"الأزمة" التي تتخبط فيها البلاد على جميع الأصعدة، علما أنها تعتبر العملية السياسية برمتها مجرد "لعبة سياسية" لا أقل ولا أكثر كما يشرح الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ادريس الكنبوري.

كما يسجل المتخصص في تحركات الجماعة أن مواقفها عرفت تذبذباً واضحاً في عدد من الفترات الصعبة التي مرَّ بها المغرب خلال السنوات الماضية، وبشكل جلي إبان اندلاع ثورة الربيع العربي، وبزوغ حركة 20 فبراير سنة 2011، المطالِبة بالكرامة والتوزيع العادل للثروات، ليتأكد الأمر بشكل أكثر وضوحاً في عزّ حراك الريف بمدينة الحسيمة وضواحيها، حيث اتسمت مواقف الجماعة بـ"الضبابية" بحسب عدد من المتابعين لشؤون الجماعة.

فقد دأبت جماعة الشيخ ياسين على إبداء مواقف واضحة بشأن الحركات الاجتماعية التي تعرفها البلاد، لكن في عز حراك الريف اتهمت جماعة العدل والإحسان بكونها "غائبة عن الحراك"؛ إذ شاركت أحياناً في الاحتجاجات وغابت في أحايين أخرى.

ظلَّت الجماعة منذ انطلاق شرارة الحراك تراقب الوضع من بعيد إلى أن هدأ أواره، واعتقل من اعتقل، لتخرج ببلاغ استنكاري، أدانت فيه على حد تعبيرها طريقة تعامل "المخزن" (الدولة العميقة في المغرب) مع هذا الحراك الشعبي، معلنه من خلاله للرأي العام تضامنها المطلق مع نشطاء الحراك، واصطفافها إلى جانب الشعب في المطالبة بحقوقه كاملة.

القيادي بجماعة العدل والإحسان، عمر احرشان يؤكد في حديث لـ"عربي بوست"، أن "دعوة نائب الأمين العام للجماعة، فتح الله أرسلان، النظام إلى فتح صفحة جديدة، والقيام بمبادرات، لطيِّ ملف الاعتقالات ووقف التضييق على الجماعة، يفهم منه أن الجماعة تطالب بحقها، ولن تتنازل عنه، وليس في هذا جديد لأن المناسبة شرط كما يقال"، مشيراً إلى أن "هذا التصريح تزامن مع ذكرى سجن عمر محب"، نافياً وجود علاقة للتصريح، بما يقال حول رغبة الجماعة في المصالحة مع النظام وتقديم تنازلات".

أزمة داخل الجماعة؟

إحرشان ردَّ في حديثه لـ"عربي بوست" عن المروِّجين لوجود أزمة داخلية وسط العدل والإحسان هي سبب دعوات المصالحة، بالتأكيد أنها أمنية قديمة متجددة لدى الكثيرين، وأثبتت الأيام أنها وهم، واصفاً هذا الكلام بـ"بالأسطوانة المشروخة".

وأشار ذات المتحدث إلى أن "انخراط الجماعة في حركة 20 فبراير، وتعليق نشاطها كان تقديراً مستقلاً للجماعة، بناء على معطيات لا يشكك فيها إلا من يريد حجب الشمس بالغربال"، مؤكداً أن الأهم هو أن الجماعة لم تكن نهائياً مصطفة ضد الشعب، سواء قبل أو بعد 2011".

ويرى العديد من المراقبين أن "الإشارات السياسية التي يبعثها قادة الجماعة من حين إلى آخر ليست كافية بالنسبة للدولة لإحداث أي تغيير في تعاطيها مع الجماعة، خصوصاً في ظلِّ اضطراب مواقفها في عدد من الفترات العصيبة التي مرّ منها المغرب، وبالخصوص إبان الربيع العربي، وحراك الريف، بشكل يفهم منه أن الجماعة تمد يدها بشكل غير مباشر للنظام لطي صفحة الخلاف".

في هذا الصدد، يرى إدريس الكنبوري، الباحث في الشأن الديني، أن "الجماعة دأبت في غير ما مناسبة على الدعوة إلى الحوار، لكنها كانت تدعو إليه مع الفرقاء السياسيين، في إطار ما كانت تسميه الحوار الوطني، وكررت هذه الدعوة خلال أحداث الربيع العربي، وفي مناسبات أخرى لاحقة، لكن يبدو أن هذه الدعوة لم تلق صدى عند المكونات السياسية الأخرى"، يردف ذات المتحدث.

وأضاف الكنبوري، في تصريحه لهاف بوست، أن الجماعة تسير تدريجياً في اتجاه تهميشها لأنها تضيع المزيد من الوقت"، مشيراً إلى أن "دعوة فتح الله أرسلان النظام إلى فتح صفحة جديد ووقف التضييق على الجماعة، بمناسبة الذكرى السابعة لاعتقال عمر محب، أحد شبان الجماعة، يكشف المأزق الذي تعيشه الجماعة، وحالة العزلة التي تتخبط فيها".

لكن عمر إحرشان أوضح أن الجماعة عكس ما يقال، لا تعيش أبداً حالة تذبذب"، مشيراً إلى أن "هذه الأفكار موجودة فقط عند من لا يريد التحرر من قوالب جاهزة وتصنيفات تقليدية تحصر الأمر بين الثوري والاصلاحي"، مؤكداً أن "دعوة الجماعة للحوار في مناسبات ماضية، يفهم منها المتتبع لتصريحات ومواقف الجماعة، أنها تتحدث عن لحظة تأسيسية تقليدية وليس عن استمرارية".

الكنبوري يرد على تصريحات القيادي في الجماعة بالقول إن دعوتهم إلى اتخاذ مبادرات، سواء من قبل جهة أو شخص لإنهاء الاعتقالات ووقف التضييق عليها، يدل على أنها عادت أكثر من عقدين إلى الوراء، عندما كانت هناك مبادرات من الدولة، لكن الجماعة رفضتها في عهد مرشدها الشيخ عبد السلام ياسين"، مبرزاً أن "الجماعة تدرك أن الوضع في المغرب تغيَّر، وأن عليها أن تقبل ما رفضته في السابق".

تحميل المزيد