إننا يمكن أن نُطلق على النص القرآني أنه نص أدبي تحدَّى به اللهُ العربَ الذين عُرفوا بفصاحة النصوص الأدبية من شعر وخطابة وأمثال وغيرها، ولأن العرب بطبيعتهم الاجتماعية وما عرفوا به من تبارٍ في الشعر والنثر كان لا بد من أن يكون هناك نص معجز يأتي على نسق ثقافي ذي فصاحة وبيان نص تجديدي، حتى يدحض تلك الخرافات التي كان عرب الجاهلية يؤمنون بها، ويتخذونها آلهة تقربهم من الله زُلفى وهذه الأفكار التي كانوا يعتقدونها إنما تنمّ عن حوجة فطرية لكل إنسان كان؛ أن يخضع لرب متصرف في أموره حتى ولو كان لا يغني ولا يسمن من جوع، إنه نداء الفطرة الإنسانية الذي يتمثل في الإيمان بأن هناك رباً يراقب، أو أن هناك قوةً ما في هذا الكون يجب أن يُخضع لها.
والنص القرآني لا يمكن أن نطلق عليه أنه نص شعري هكذا فقط بمجرد أننا رأينا فيه أدبية النظم والصياغة، فهو نص لا يمنع من أن يكون أدبياً أو يطلق عليه هذا المسمى، فهو نص نثري فيه جميع المقومات التي تخضع لها النصوص الأدبية كما يمكننا أن ندرس النص القرآني، وفق مناهج تحليل ونقد النص الأدبي، وقد قدم بعض المفكرين المحدثين أمثال محمد أركون الذي برع في دراساته ومقارباته للأنثروبولوجيا التاريخية في تحليله للعقل الإسلامي بشكل عام، وقدم أطروحاته التي وجهها لنقد التراث الإسلامي نقداً قد يراه البعض لاذعاً ومخرجاً عن الملة إلا أنه نقد من صميم الحداثة وتقديم قراءة جديدة للنص القرآني.
كما نرى أيضاً المفكر يوسف الصديق الذي برع في مجال ترجمة النصوص اليونانية القديمة ومقاربتها بالنصوص الدينية، وجهده الواضح في سعيه لتقديم قراءة جديدة للنص القرآني ويدعو لقراءة النص القرآني قراءة متمعنة ومتعمقة لفهم المعنى الحقيقي والمراد للنص القرآني، وله في ذلك مؤلف أطلق عليه اسم "هل قرأنا القرآن؟ أم على قلوب أقفالها".
ونرى أيضاً المفكر نصر حامد أبو زيد الذي أعمل "الهرمينوطيقا" أو التأويلية كمنهج يقود إلى فهم النص القرآني وتحليله وإعمال مناهج نقد وتحليل النص الأدبي في النص والخطاب الديني، وفي دراسته وتحليله للقرآن الكريم وغيره نجد تلك النزعة الأدبية التي قادته لتحليل النص الديني مستخدماً مناهج نقد وتحليل النص الأدبي كالمنهج التأويلي أنموذجاً.
لا بدَّ من قراءة جديدة للنص القرآني يُعمل فيها العقل ويُدرس فيها القرآن وفق مناهج وآليات النص الأدبي كالمنهج التفكيكي وغيره من المناهج لاكتساب وجهة قراءات تفسيرية جديدة تجدد للنص حيويته وتقدم لنا مقاصد تشريعية جديدة.
هذا الإخضاع لا ينقص من قدسية النص القرآني؛ لأننا لا ننظر للقرآن الكريم من المنظور الأدبي المتجرد الذي يقبل الخطأ والصواب فقط؛ حيث يحتوي القرآن الكريم على جميع هذه المناهج فهو يعتمد في الأساس على السرد المباشر للأحداث القصصية التاريخية مع بعض من عناصر التشويق.
القرآن الكريم كتاب قصصي معجز إعجازاً فنياً وبيانياً، وفي شكل البناء القصصي وتشابه الأحداث في القصص واختلاف شكل البناء القصصي في كل سورة عن السورة الأخرى، مما يحفظ حالة التشويق الدائم لهذه القصص والمواعظ، إذا أردنا أن نُعيد قراءة القرآن وفق قراءة حداثوية؛ يجب إنزال القرآن منزلة النص الأدبي وإعمال مناهج نقد وتحليل النص الأدبي وفق عناصر التحليل المتبعة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.