لقد أضحى المغرب خلال القرن الماضي منبعاً للمفكرين ورجال الفكر، فقد أنجب لنا المغرب قامة فكرية من الطراز الرفيع وهو "عبد الله العروي".
إنّ الثقافة العربية هي ثقافة نهائية، وإنّ العروي قد تميّز بأسلوب جميل في الكتابة؛ إذ يجمع شتات الميادين (الاجتماعي، السياسي، الإبداعي)، ناهيك عن شخصيته الكاريزميّة، وفصاحة لسانه.
كل هذه السّمات قد ميّزت العروي، إلى أن جاء مفكر خطير ليقدم للعروي ما لذّ وطاب من الانتقادات، وهنا الحديث عن عبد "الكبير الخطيبي".
فكر "عبد الله العروي" هو فكر أصوليّ، والأصوليّ مثله مثل اللقيط، فالأصالة هي ذلك التقوقع والانحصار داخل العقيدة والمذهب دون خلق حدود جديدة من أجل الانفلات منها، أما المعاصرة فهيّ مشروع؛ من أجل التخلي عن المذهب والعقيدة وكل ما هو آتٍ من الماضي، بمعنى التخلي عن (التبعيّة)، فلا يمكن الجمع بين الأصالة والمعاصرة إلاّ في كيان واحد وهو القمامة.
يعد "عبد الكبير الخطيبي" (1938 – 2009) من أبرز المفكرين المغاربة وقد كتب كتاباً جميلاً تحت عنوان "نحو فكر مغاير"، وفي أعماق هذا الكتاب تم انتقاد العروي من منظور تراثي وأيديولوجي، والتراث هو عودة المنسيّ ولا بد لهذه العودة أن تستوقفنا ونطرح عليها الأسئلة كي تدلنّا على طريق الموتى الذين يتكلّمون، فالعودة إلى التراث هي أمر بديهيّ ولا يستحق أيّ اهتمام.
ويتجلى انتقاد "الخطيبي" للعروي في أن هذا الأخير هو ماركسي هيغيلي حتى النخاع ولكن الماركسيّة أكثر صرامة منه؛ إذ إنّ الماركسية ترفض النظام الإقطاعي والنظام الليبرالي، ولكن الطامة الكبرى التي جاء بها العروي هي ذلك الشعار الذي يردده في كل زمان ومكان "لنمارس التاريخانيّة المعممة" هنا يؤكد العروي وبإقرار أنّه يجب علينا أن نمرّ من نفس المراحل التي مرّ منها الغرب (الحداثة، الأنوار..)؛ لكي نصل إلى هذا التقدم الرهيب الذي وصل إليه الغرب، وعلى النقيض فإن الخطيبي قد أراد الانطلاق من الواقع المعاش.
إنّ المغرب هو جزء من التراث العربيّ كفكر وكهوية، فإنّه يتحدد عند الخطيبي في ثلاث جهات:
*التراثوية: الميتافيزيقا أصبحت لاهوتاً.
*السلفية: الميتافيزيقا تحولت إلى مذهب.
*العقلانية: الميتافيزيقا أصبحت تقنية مكتملة.
الميتافيزيقا هنا ليست ذلك الخطأ الشائع (ما وراء الطبيعة) بل هي الفلسفة؛ إذ لا يمكنك الخروج عن التفكير الفلسفيّ أبداً، فالميتافيزيقا ليست عالماً مفارقاً بل هي انكباب وانشغال على تطوير الحياة اليومية وتتأصل وتتجذر في حاضرنا وترافقنا منذ الصباح إلى المساء.
من الأخطاء التي قام بها العروي هي تمييزه بين الشيخ (اللاهوت)، الليبرالي (المذهب)، والتقني (التقنية)، وهذا ما عاب عليه الخطيبي حيث إنّ العروي ليست له تلك النجاعة على ملامسة عمق القضيّة العربية، فالعروي قد انصاع للفكر الغربي، ولكنه بقي منحصراً داخل متاهات الأيديولوجية العربية.
لم يقُم العروي بما قام به الخطيبي، فإنّ هذا الأخير قام بخلخلة وزعزعة التراث العربيّ، وقد شدد الخطيبي على عدم التأصل في حضارة الآخر.
بواسطة التقنية التي قامت بغزو خطير للعالم، وبسببها قد دخلنا غمار "الاختلاف الوحشيّ" ويقصد به ذلك الاختلاف الذي يقذف بالآخر إلى الخارج، ولا يمكنك التمييز بين العربيّ والغربيّ؛ لأنهما أصبحا عبيداً للتقنية. نحن تراثيون بنسيان التراث، تقنيون بالعبودية، مذهبيون بنسيان الفكر الكائن.
العروي كتب كل ما كتب ولكن جاء رجل خلق لينتقد، ولقد كان صمت العروي أقرب إلى الكلام عند سماعه لهذه الجملة (إنّ أيديولوجية العروي منهارة أساساً "عبد الكبير الخطيبي")، ناهيك عن جملة تتعب سامعها "تاريخانية العروي هي تاريخانية معطوبة".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.