حاولت جاهداً معرفة السبب في ثباتي عند حضرتك، السبب في عجزي عن الصراخ في وجهك، أجريت أبحاثاً عن ذلك، كفيلة بأن تعطيني درجة الدكتوراه..
أصبحت لا تبالي بوجودي، إن الحالة المُزرية التي أصبحنا عليها لم تكن وليدة اللحظة، وعجزي عن مواجهتك ليس خوفاً بقدر ما هو حباً فيمن هو للحب هاجِرٌ.
في كل مرة رأيتك فيها مقْدماً عليَّ كان عزمي يخور، فلا أستطيع عتابك ولا مجابهة حديثك، فقط أنظر إليك، أنظر إليك وكأنني مُوقن بأنها اللحظات الأخيرة التي سنلتقي فيها، كنت أشعر دائماً بأن عمرك يقترب يوماً بعد يوم من الموت.
أنا -يا صديقي- رغم كل ما أحمله في صدري منك كان مثل أثقال الأحمال ولما رحلت كان عبثاً وسذاجة مفرطة من شخصي.
تذكرت -يا صديقي- أياماً كنا لا نفترق فيها، إما إني في منزلك نتسامر، وإما في منزلي، على كل حال -يا صديقي- إنني في شوق لرؤياك، في شوق لعناقٍ يطول ويطول فيستغرب الحضور طوله، تذكرت كم كنا لطفاء عند مقابلة ذوي الشؤم في الطرقات، ما زال عقلي عالقاً، عندما كنا في مجلس يجتمع فيه الكثير من الرفقاء، والقليل من الغرباء، فتركت الجميع وجلست بجانبي.
لا مفرَّ ولا فِرار ولا هرب من مواقف الخذلان التي كثيراً ما كانت تحدث بيننا، لكن صلابة العلاقة كانت أقوى من كل ذلك، إن العلاقة التي بيننا كان لو رأها غريب لشعر بأننا جسد واحد، كنا لو اجتمعت قوى العالم العظمى لِتُفرِّق بيننا كان من السهل أن تهدم العالم ومن الصعب أن تفرق بيننا، لا أخفيكم سراً انتهت العلاقة بيننا بـ"بلوك" كعادة كل علاقات يومنا هذا!
العلاقة مهما بدت قوية، فهي لا تدوم، لا محال من الفراق، وإن لم يكن السبب عراك بينكما، أو صديقة لأحدكما، أو ربما موقف ساذج، فحتماً سيكون الموت، أما علاقتي بصديقي ونهايتها فشملت كل ما ورد إلا الاحتمال الثاني.
كلا، أنا أكذب عليك؛ بل هي شملت كل الاحتمالات، الأول والثاني والثالث ومن ثم الرابع، في البداية ربما لم أكن أستوعب أن صديقي سيُنهي علاقته بي بسبب فتاة، لا أعيب عليه أو عليها ما حدث، فإننا بشر، الفطرة حكمت بيننا وصديقي انصاع للفطرة التي تمثلت في غيرة صديقته، فمن ذا الذي لا يغار على صديقي، شاب يافع، مفتول العضلات جميل المظهر وحَسنه، وسيم وبشوش الوجه.
بل وصل الأمر إلى أنني كنت أغار عليه منها، فكيف أعيبها إن غارت عليه؟ فجِلسته تهوّن عليك مُر الحياة، يبعث في ظلام قلبك ضياءً، ترى به عتمة روحك، كانت تغار عليه مني؛ لأن جِلسته معي كان تطول لتبلغ أياماً.
إلى أن أدركت في وهلة أني كنت أكذب عليك أيها القارئ، فرجعت عن كذبي وسردت لك الحقيقة، حقيقة أنه مهما بلغ الحب مداه من القوة فحتماً هناك سبب ما سيحيل بينكم، صديقي لم يمُت في الواقع وإنما صورته ماتت في ذهني، العلاقة بيننا استمرت أياماً وانقطعت عمراً، لو استمرت السذاجة بيننا فربما ما انقطعت العلاقة.
لكن، بدأت الأمور تسير عكس المراد، كقول المتنبي "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، صديقي أدخل ضيفاً العلاقة يسمى "الكرامة"، كل شيء قبل ذاك الضيف كان يمر مرور الكرام، إلى أن حضر ضيفنا، فأصبحت كل الأشياء تمس كرامته وتهدرها، فأصبح لا يتقبل مني أي تصرُّف.
خارج وعاء الصداقة التي مرت، ثمة فجوة بيننا أدت إلى تفاوت في الإدراك، صديق آخر لم أره قط، منذ أن دلفت في الحياة الافتراضية التي أصبح الواقع يشغل حيزاً كبيراً فيها، تعرفت على ذاك الصديق واستمرت العلاقة أياماً عديدة إلى أن أصبحت الأيام سنين، كعادة العلاقات تارةً تضعف وتارةً أخرى تقوى، أما تلك العلاقة فضعفت وأدركنا أنها ضعفت، لكن لم نستطع أن نعيد مجدها، أن نعيد سيرتها الأولى، فانقرضت؛ لأنها لم تولد بعد.
رسالة: لطفاً بقدر ما تستطيعون سبيلاً متى وجدتم أنفسكم فارغين، ودخلتم المواقع الافتراضية وجلستم أمام شاشات هواتفكم، رجاءً لا تتحدثوا مع أحد إلا إذا كنتم على ثقة بأنكم لن تتأخروا في الرد، فمن ذلك ما قتل كثيراً من العلاقات، والتماس أحدهم عذراً لك في تأخُّرك لا يعني أنك تستمر، والمبالغة في التماس الأعذار هدر للكرامة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.