نحو مفهوم جديد لمعنى الجماعية في الإسلام

تلك التصنيفات في رأيي لم تنتج عن قدسية دينية يجب أن تُتبع بل نشأت عن عصبية سياسية وتحيّز كل فرقة وما تتصوره من أفكار تحاول أن تُكسب هذه الأفكار الشرعية والقداسة، مستشهدة ومدعمة هذه الشرعية بنصوص دينية، سواء كانت من القرآن أو السنة، وغالباً ما تكون أحاديث من السنة قد تكون موضوعة أو مشكوكاً في سندها وصحتها أو لم تفهم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/04 الساعة 07:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/04 الساعة 07:32 بتوقيت غرينتش

لم أكن مقتنعاً يوماً بتلك التقسيمات والتصنيفات التاريخية من فرق وطوائف وجماعات إسلامية منتشرة على كافة العالم الإسلامي، وكنت أرى أن تلك التصنيفات والتقسيمات تُشكل مانعاً من انطلاق الدين الإسلامي، وتُشكل خصماً على رسالة الدين وعالميته التي أُرسل ليحققها، ولأن الإسلام في حقيقته دين يدعو إلى الجماعية كدين جماعة تجديدي جاء لينبذ تلك النظرة الضيقة للجماعة أو التحزب الذي يؤسس لتفرقة صف الدين، ويشتت تلك الجهود التي جاء الإسلام ليوحدها، حتى تكون من منطلق واحد منطلق، التوحيد واللاخلاف، واللافرقة، وفي ذلك تتنزل الآيات: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"؛ لتؤسس لتلك المنهجية والرؤية التي أنزل بها الدين.

تلك التصنيفات في رأيي لم تنتج عن قدسية دينية يجب أن تُتبع بل نشأت عن عصبية سياسية وتحيّز كل فرقة وما تتصوره من أفكار تحاول أن تُكسب هذه الأفكار الشرعية والقداسة، مستشهدة ومدعمة هذه الشرعية بنصوص دينية، سواء كانت من القرآن أو السنة، وغالباً ما تكون أحاديث من السنة قد تكون موضوعة أو مشكوكاً في سندها وصحتها أو لم تفهم.

لم أقتنع يوماً بتلك التقسيمات التاريخية للإسلام من حيث ركناه السنّة والشيعة، أو من حيث تفرعاتهما لفرق لا تُعد ولا تُحصى، تلك التقسيمات التي جعلت الإسلام ممزقاً ومشوّهاً في أنظار الغرب وغيره.

لم أسقط نفسي في درك تلك التصنيفات التاريخية كنت أؤمن بشمولية الإسلام كدين وأحد لا متفرع، بل كدين للإنسانية جمعاء يوحدها، وهذه مهمة القرآن يتوافق مع كل الأديان السماوية في الإخبار عن وحدانية الله، وهو القرينة الموحدة لجميع الأديان السماوية امتداد لها ومجددها، وهو الدين الذي يمكن أن نقول الدين الحق الخاتم الذي يُرجى منه قيادة البشرية للعيش بأمان مع الآخر الملّي.

لعل الإسقاطات السياسية التاريخية التي أضرت بالدين الإسلامي هي خير دليل على واقعنا الإسلامي الآن، وما يحدث فيه من قتال، وأعمال إرهابية جعلت الدين لباساً لها مرتكزة على مُؤثرات تاريخية وسياسية معلومة من عهد الدولة الإسلامية التاريخية الأولى بعد وفاة الرسول، مروراً بعهد الخلفاء الراشدين الذين تصدوا لراية الإسلام، فحملوها كما هي امتداد لعهد المؤسس الأول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الخلافات الطبيعية التي تحدث بين أي جماعة أسست للنزاع والتشرذم.

وعلى أسس هذه الخلافات التاريخية عاش الواقع الإسلامي تلك الأعمال الإرهابية التي تحدث باسم الدين نتاج لتراكمات تاريخية ولمفاهيم تؤسس لعصبية دينية السبب الأول فيها ليس بالمقدس؛ بل بسبب سياسي صرف كما صدّر لنا التاريخ من خلافات وفتن سياسية حدثت.

والحل الأمثل في رأيي على العلماء في هذا العصر أن يخضعوا التاريخ لمراجعة ولنقد صريح، وتفكيك تلك الرؤى التاريخية للأحداث وعدم التكاسل عن الخوض فيها بسبب قدسي.

"تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، فإن هذه العبارة تُعد حُجة لكل مَن يقف ضد دراسة الصراعات السياسية في عصر الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين.

لا أرى أيّ مانع من نقد التاريخ الإسلامي القديم، بل نقد تلك "التابوهات" الإنسانية الحاكمة في تلك الفترة ونقد سياستهم الإدارية للدولة الإسلامية في ذلك الزمان وإعادة قراءة تاريخهم للخروج بعبر ودروس نسقطها على واقعنا اليوم؛ لنصل إلى حل إسلامي وسط خال من التفرقة والتصنيفات التي أضرت بالإسلام وقسمته إلى شيع وطوائف وأحزاب أضعفت الدين الإسلامي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد