أتذكر ذلك اليوم جيداً، ذلك الليل، ذلك اليوم الكئيب (كنت أراه كذلك)، ها قد دخل علينا الشتاء والجو الضبابي، ها هي الرياح العاتية المختلطة بالصقيع، ها هم الأشخاص يخلعون قناع الصيف المشرق، يخرجون من الأدراج قناعاً آخر، للشتاء أيضاً قناع، مصنوع بمتانة ومغطى، مقوى حفاظاً على تجاعيد الوجه، وربما المكانة الزائفة، لكل الفصول قناع، وأحياناً لكل موقف قناع!
نخلع هذا ونطبع ذاك، الأمر أشبه بالمسرحية الكوميدية تتغير فصولها باستمرار، أما المتفرجون هنا فمشاركون وربما أبطال الحدث!
الأقنعة لا يرتديها الفقراء، هناك سر خفي، بحثت عنه مطولاً، لم أجده، الفشل عدوّي الأول، سأبحث مجدداً، لن أيأس، يستغرق الأمر أياماً أركز في تحركاتهم، في كلامهم، في تموءاتهم لم أجد شيئاً، الأفكار تتجمع، تتشابك، تتعقد، تمر الأيام وأنا أبحث، يبدو أن البحث بتأفّف لن يجدي، الرسائل الربانية تتوالى، أجدها أشبه بالألغاز، تبدو طلاسم مجففة، لكن أين السر؟
قررت التقرب من الله أكثر، يبدو أنه يعرفني أكثر من أي أحد، يعرف ماذا أريد، أريد السر، تهطل الأفكار من السماء، الأمر أشبه بالبركان عندما يقذف، سأجرب ليومين حياتهم، كلامهم، طريقتهم، والأهم تقشفهم، جوعهم، خوفهم من المستقبل، قلقهم، رأيت عن كثب كل شيء أو البعض ربما، هلعت من زهدهم، فُجعت من ابتساماتهم المشرقة، لا يحتاجون الأقراص المهدئة ولا الحمام المسائي الدافئ، ولا اللحوم المكتظة في البطون، يعيشون في عالمهم الخاص يبدو قبيحاً من الخارج، في عيوننا بالتأكيد!
نراهم فاشلين، خطراً وعالة على مجتمع العفة والفضيلة المثالي، هم يروننا كذلك في عالمنا البرجوازي الوردي، يرونه قبيحاً مغلفاً بالحقد والشر، لا يكتفون بما قسمه الله لهم يريدون المزيد، والمزيد.
يدهس الأخ شقيقه، يجعله مركباً، يقتله، يصنع بجثته طريقاً مدمماً، ليعبر، ليصل إلى جنة المال والطعام، يتلاقى العالمان معاً يومياً، يندمجان في عيونهم، يتبادلان النظرات، ربما الاتهامات.
يعود الفقراء لليلهم الحزين يتسامرون حتى الصباح تجد الأقنعة محاطة بهم، متراصة حولهم، كأشخاص تناديهم لوضعها، يرفضون هذا وذاك، في عالمهم الخاص لا أقنعة يتبادلون النظرات لتعبر عن كل شيء، لا يحتاجون لكذب البشر ولا نفاقهم، لا يريدون القصر العاجي العريض ولا البدلة المخملية المطرزة، ابحث في بساطتهم وزهدهم، ابحث في ابتسامتهم رغم شدائدهم، في راحة أيديهم رغم تجاعيدها، ابحث عن السر في ومضات حياتهم، في بساطة ملامحهم، وبعد ذلك انظر إلى عيونهم؛ لتجد أن السر حتماً في عيونهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.