قد اتفقّ للكثير منا سماع حديث النبي عليه أزكى الصلاة وأفضل التسليم: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين…" إما في خطبة جمعة، وإما ببرنامج تلفزيوني، وإما في إحدى المناسبات العامة أو الخاصة، وعلى هذا فقد انقسم الناس في فهم الحديث على ثلاث فئات؛ فئةٌ ناقصةٌ عقولهم كما ظاهر الحديث، ترى أن المرأة ناقصةُ عقلٍ ودين، وفئة تحاول أن تتوسط لكنها تأتي بتفسيرات هشة لا تعطي للحديث معنى مقنعاً مقبولاً ومتسقاً مع طول الحديث، وفئة تتسرع وترفض الحديث مطلقاً؛ لفهمها أن مضمونه حاشا أن يكون من قول الحبيب عليه السلام، وأنا أرى أن الصواب مع من توسطوا في نظرتهم للحديث، إلا أنهم أيضاُ لم يُوفَّقوا إلى ذلك الحد في استنباط مفهوم المنطوق على الوجه المطلوب.
إن الحديث الصحيح "ناقصات عقل ودين"، والذي قاله -صلى الله عليه وسلم- للنساء في يوم عيد وفرح وسرور، مثله مثل الآيات التي ذكر الله لنا فيها بعض النقص الذي يكون في الإنسان عموماً نساءً ورجالاً على السواء، بحيث يعد أمراً عادياً يمكن أن يطرأ على الجميع، ومن أمثلة ذلك، قول الله تعالى:
– خُلق الإنسان من عجل.
– إن الإنسان خُلق هلوعاً. إذا مسه الشر جزوعاً. وإذا مسه الخير منوعاً.
– وكان الإنسان قتوراً.
– وكان الإنسان كفوراً.
– زُين للناس حب الشهوات.
– وإنه لحب الخير لشديد.
– إنه كان ظلوماً جهولاً.
كل هذه الآيات إنما جاء ذكرها لبيان أن هذه النقائص لا تعني أنها صفات أو أوصاف لازمة للإنسان وأنها أمر لا محيد عنه، وإنما ذكرها الله -تبارك وتعالى- ليلفت انتباهنا إلى نقاط النقص أو الضعف بالتعبير الأدق، التي تركب الإنسان إما مؤقتاً أو دائماً، فهذه الصفات والنقائص العارضة إنما جاءت تحذيراً من عدم المكوث فيها وبها زمناً أطول؛ ومن ثم يقتضي مقاومتها ومجاهدتها ومحاولة التخلص منها وتهذيب النفس على خلافها أو التقليل منها، فلا تكون ملازمة له أبداً، لهذا أكرم الله الإنسان بمقومات وقدرات تمكنه من الخروج من دائرة هذه النقائص، ودليل ذلك أن الله -تعالى- قال مباشرة عقب قوله: "خلق الإنسان من عجل"، يقول: "سأريكم آياتي فلا تستعجلون".
وقوله "ومن يوق شحَّ نفسه"، دليل على أن من الناس نساءً ورجالاً من هو شحيح، إلا أن هذه الصفة يمكن التخلص منها، مع إمكان أن تعرض على كل مجاهد نفسه عنها في أية لحظة. والعقل في الثقافة الإسلامية يأتي للتعبير عن فعل العقل وليس الذات العاقلة، وفعل العقل يحصل بطلبه أي بالتعقل، فكلما تعقل الإنسان زاد عقله، وكلما أهمل التعقل نقص عقله وهكذا.
فكما أن الخُلق بالتخلق والعلم بالتعلم والحلم بالتحلم والصبر بالتصبر، فكذلك العقل إنما يكون بالتعقل، والدين بالتدين، فالتفعل يراد منه السعي وراء تحصيل الشيء وإعادة المحاولة مرة بعد أخرى.
فالحديث النبوي فيه بيان من رسول الله للنساء للفت فهومهن إلى ما من شأنه أن يجعلهن ناقصات في الدين والعقل بالمعنى الحقيقي المطلق إن لم يتجنبن ذلك، في حياتهن العاطفية خاصة، وفي الابتعاد عن حياتهن الإجتماعية عامة مما قد يجعلهن في حالة يتوقف العقل بسببها عن التعقل، في حالة مكثن ببيوتهن مطلقاً مع المطبخ ونظافة البيت فقط، ولم يتعقلن مع صعوبات ومستجدات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتنبيههن كذلك حتى لا يجعلن من العبادة التي تسقط عنهن في حالة العذر سبباً يوهمهن أنهن في عطلة عباداتية يمكن لهن فيها أن يرتحن من كل العبادات بالكلية، ولذلك أمرهن الرسول الكريم بالتصدق في الحديث نفسه؛ حتى يذكِّرهن بأن العبادات لا تزال قائمة من صدقة وغيرها مما يزكي النفس ويخرجها من هذا الوهم…
والحديث أشار إلى أشياء يمكن لكل امرأة أو رجل أن يجاهدها، فهي نقص عندهما معاً، فكما أن من النساء ناقصات عقل فكذلك الرجال، وكما أن من النساء ناقصات دين، فكذلك الرجال أيضاً، فالرجال في حالة العذر (المرض أو السفر) يمكن لهم أن يفطروا ويقضوا فيما بعد، وكذلك يجوز لهم أن يصلوا على جنب مع عدم القدرة، أوليس هذا نقصان في الدين، أقصد في أركان الصلاة، التي هي من الدين من ركن القيام والركوع والسجود؟
وأختم بطريفة وقعت لأحد الشيوخ، فقد قال له أحدهم: إن النساء ناقصات عقل، فقال له الشيخ ألست ممن يضيّع أوامر الله؟! فقال الرجل: نعم، فقال الشيخ إنما يدرك خير أوامر الله من له عقل فمن ضيَّعها فلا عقل له، فإن كنَّ ناقصات عقل فأنت لا عقل لك أصلاً، ثم قال الشيخ: ولو زاد وقال إنهن ناقصات دين، لقلت له إنك ممن يضيّع الأمانة، فلا دين لمن لا أمانة له، فإن كن ناقصات دين فأنت لا دين لك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.