في الفترة الأخيرة زادت ظاهرة المضايقات الجنسية بشكل ملحوظ في الدول التي يتواجد فيها اللاجئون السوريون.
والمجتمع التركي كغيره من المجتمعات العربية نسمع فيه بين الحين والآخر عن مضايقات يتعرض لها سواء المواطنون الأتراك أنفسهم أو اللاجئون السوريون المتواجدون على الأراضي التركية التي تحتضن ما يزيد عن ثلاثة ملايين من الإخوة السوريين الفارين من ويلات الحرب الدائرة في سوريا.
فما موقف قانون العقوبات التركي من هذه المضايقات؟ وكيف يتعامل معها؟ وما الخطوات الواجب اتخاذها؟
في هذه التدوينة سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة وتوضيح بعض الأمور الهامة، والتي يجب على المجني عليها معرفتها وأخذها على محمل الجدية؛ حيث إن السكوت والتغاضي عن بعض المضايقات البسيطة من وجهة نظر البعض من الممكن أن تؤدي إلى تمادي مرتكبيها مستقبلاً.
يقسم قانون العقوبات التركي الجرائم المتعلقة بالجنس إلى نوعين: جريمة المضايقة الجنسية أو التحرش الجنسي، وجريمة الاعتداء الجنسي.
النوع الأول هو جريمة المضايقة الجنسية أو التحرش الجنسي، وتكون بلا لمس، ويعاقب مرتكبها بالسجن لمدة لا تقل عن شهرين ولا تزيد عن سنتين، وفق المادة 105 من قانون العقوبات التركي.
ولكن في حالة أن المجني عليه كان طفلاً فتصبح مدة السجن تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات.
وتضاعف العقوبة إذا ارتكبت من خلال استغلال الوظيفة الحكومية أو من خلال استخدام وسائل التواصل الإلكترونية، أو إذا ارتكبت من قِبل المكلفين برعاية أو تعليم الطرف الآخر، أو إذا ارتكبت من خلال الاستفادة من العمل في نفس المكان.
أما جريمة الاعتداء الجنسي فيعاقب مرتكبها في حال كان الاعتداء بسيطاً كوضع اليد لثوانٍ على جزء من جسد المرأة أو الفتاة بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد عن عشر سنوات، وفق المادة 102 من قانون العقوبات التركي.
أما في حال الاعتداء الجنسي العنيف فيعاقب مرتكبه بالسجن لمدة لا تقل عن 12 سنة ولا تزيد عن عشرين سنة وتضاعف العقوبة في حال تم ارتكابها ضد أشخاص لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم لإعاقة جسدية أو روحية أو من خلال استغلال الوظيفة الحكومية أو صلة القرابة، أو أماكن الزحام كالباصات أو باستخدام السلاح أو بشكل جماعي.
في جريمة المضايقة الجنسية أو التحرش الجنسي لا توجد أي ملامسة لجسم الطرف الآخر.
فمرتكب هذه الجريمة يكون قد ارتكبها بمجرد أن يقوم بإزعاج الطرف الآخر دون رضاه بالكلام أو بالكتابة، أو بإرسال رسالة أو باتصال عبر الهاتف أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال التحديق والنظر المتكرر إلى جسم الطرف الآخر، أو بإشارات وحركات اليد.
لكن يجب أن يكون هدف مرتكبها جنسياً وإلا تدخل مثل هذه الحركات في إطار جريمة تكدير أمن وطمأنينة الأشخاص.
النقطة المهمة هنا التي ربما يجهلها البعض أن مجرد التحديق والنظر المتكرر إلى أي مكان في جسم المرأة من دون رضاها هو جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات التركي وتدخل في إطار جريمة التحرش الجنسي.
المطلوب فعله من قبل المجني عليها عند التعرض لمثل هذه التصرفات هو التقدم مباشرة بشكوى إلى النيابة العامة التركية؛ حيث إن النيابة العامة التركية لا تستطيع البدء بالتحقيق في حالات كهذه دون التقدم بالشكوى من قِبل المجني عليها، فالقانون التركي يشترط لرفع الدعوى الجزائية بخصوص بعض الجرائم وجود شكوى أو ادعاء شخصي من المجني عليه.
الشكوى هي إبلاغ المجني عليه أو وكيله للنيابة العامة أو لمراكز الشرطة عن جريمة معينة وقعت عليه، وهنا ننصح بالتقدم بالشكوى للنيابة العامة التركية وليس للشرطة التركية، وذلك لأن الشرطة في بعض الأحيان ربما لا تعطي الاهتمام المطلوب لقضايا الأجانب.
ولم يشترط القانون التركي في الشكوى شكلاً معيناً، فقد أجاز أن تقدم خطية أو شفوية.
أما المدة التي يمنحها القانون للمجني عليها لتقديم الشكوى فهي ستة أشهر اعتباراً من تاريخ علم المجني عليها بوقوع الجريمة.
وهنا نود الإشارة إلى أن عدم معرفة المجني عليها باسم مرتكب الجريمة لا يمثل عائقاً أمام تقديمها للشكوى.
ولكن معرفتها باسمه أو رقم جواله أو مكان عمله أو عنوان إقامته تسهل إجراءات التحقيق فقط لا غير.
وكما هو معلوم فالنيابة العامة في تركيا موجودة في كل قصور العدل التي تتواجد فيها المحاكم الجزائية.
فعلى سبيل المثال يوجد قسم للنيابة العامة في قصر العدل الذي يدعى باللغة التركية Çağlayan Adliyesi الموجود على خط المتروباص في إسطنبول.
عندما تتقدم المجني عليها التي تتعرض على سبيل المثال في الباصات العامة للتحديق والنظر المتكرر المزعج من قِبل أحدهم بشكوى إلى النيابة العامة التركية، تقوم النيابة بناء على هذه الشكوى بالحصول على تسجيلات الكاميرات الموجودة في أغلب الباصات العامة.
وبعد ذلك تقوم باستدعاء مرتكب الجريمة والتحقيق معه ورفع الدعوى الجزائية إن لزم الأمر.
التقدم بشكوى أو بلاغ للنيابة العامة هو أمر بسيط جداً ولا تأخذ النيابة العامة مقابلاً لاستقبال الشكوى، حتى بعد رفع دعوى جزائية من قِبَل النائب العام ضد مرتكب الجريمة وأثناء جلسات المحاكمة لا يجب على المجني عليها توكيل محام لتمثيلها، فمهمة النائب العام هي الدفاع عن المجني عليها ومحاولة إقناع القاضي بإنزال أقصى العقوبات بحق مرتكب الجريمة.
لكن بعد كل هذا يبقى الموضوع الأهم وهو إثبات ارتكاب هذه الجريمة، لا شك أن إثبات جرائم كهذه يعتبر أمراً صعباً. ولكنه ممكن فتقديم المجني عليها لشهادتها الشخصية أو شهادة أشخاص كانوا موجودين في موقع الجريمة أو تسجيلات الكاميرات الموجودة في الشوارع والباصات يمكن أن تقيم حسب قوتها على أنها دلائل قطعية على ارتكاب الجريمة؛ حيث يعطي القانون التركي للقاضي الحق في تقييم وأخذ هذه القرائن بعين الاعتبار من عدمها.
لكن وحتى لو لم تستطع المجني عليها تقديم الأدلة التي من الممكن أن تدين مرتكب الجريمة يبقى استدعاء مرتكبها من قبل النيابة العامة والتحقيق معه رادعاً لبعض الأشخاص من التمادي في أفعال كهذه.
أما في حال جريمة الاعتداء الجنسي العنيف فيجب على المجني عليها أولاً الذهاب في مدة لا تزيد عن 48 ساعة إلى أقرب مركز صحي للحصول على تقرير طبي.
ويجب عليها الامتناع عن الاستحمام وغسل اليدين وتغيير الملابس خلال هذه المدة، وبمجرد حصولها على التقرير الطبي تنتقل إلى الخطوة الثانية التي أوضحناها في الأعلى.
العقوبات التي يفرضها قانون العقوبات التركي بحق مرتكبي هذه الجرائم الشنيعة والبشعة بكل معنى الكلمة ليست بالعقوبات الصارمة، ومن غير الممكن أن تحقق نوعاً من الردع في قلوب مرتكبيها من وجهة نظر البعض.
لكن مجرد الإبلاغ وتقديم شكوى للنيابة العامة عن جريمة المضايقة الجنسية ربما تكون رادعاً لمرتكبها من التمادي وارتكاب جريمة الاعتداء الجنسي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.