“لسنا قاتلات”.. قابلات الجزائر يستقبلن المواليد الجدد بقفازات وأساور سوداء.. ولهذا السبب أعلنَّ الحداد

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/27 الساعة 07:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/27 الساعة 07:04 بتوقيت غرينتش

طغى اللون الأسود على مستشفيات الجزائر، قفازات وأساور سوداء حالكة، ارتدتها القابلات، كانت كفيلة بإطلاق صرخاتهن احتجاجاً على معاناة يعشنها واتهامات تطالهنّ مع كل حالة وفاة تحدث لمولود أو أُم.

كان يوم 26 سبتمبر/أيلول 2017، مختلفاً عن غيره، حيث قررت فيه القابلات في قطاع الصحة وإصلاح المستشفيات بالجزائر تنظيم حركة احتجاجية، فريدة من نوعها، تتمثل بارتدائهن القفازات والأساور السوداء، تنديداً بتحميلهن مسؤولية وفاة المواليد الجدد وأمهاتهم في بعض الحالات، وفق بيان صادر من الاتحاد الوطني للقابلات.

استجابة واسعة


احتجاج القابلات لقي استجابة كبيرة، فاقت نسبة المشاركة فيه الـ80%.

وتؤكد رئيسة الاتحاد الوطني للقابلات الجزائريات، عقيلة قروش، أن الاستجابة الواسعة كانت مرتقبة، لاعتبارات كثيرة، وعلى رأسها الدفاع عن الحق العام لهذه المهنة، وتحسين أوضاعها.

وتقول قروش لعربي بوست: "هناك مستشفيات بلغت فيها نسبة الاستجابة للاحتجاج 100%، أما على المستوى الوطني فقد تعدت النسبة 80%، دون احتساب مساندة السلك الطبي، وشبه الطبي لهذه الحركة الاحتجاجية".

إلياس مرابط، رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية، يؤكد أن أغلب مصالح التوليد عبر المستشفيات استجابت لهذا الاحتجاج.

وفي حديثه مع عربي بوست قال: "باعتباري على رأس نقابة ممارسي الصحة العمومية، لا أملك نسبة المشاركة الفعلية في الاحتجاج، لكن وحسب ما وردنا فإن جل المؤسسات الاستشفائية والعيادات استجابت لنداء المساندة".

قابلات ولسنا قاتلات


ورغم طغيان اللغة الفرنسية على قطاع الصحة في الجزائر، لم تُحجب أنوار العربية الفصحى التي برزت في شعار اليوم الاحتجاجي "قابلات ولسنا قاتلات".

وتعتبر نعيمة ربيعي، وهي قابلة وعضو في الاتحاد الوطني للقابلات الجزائريات، أن الشعار وُلد من رحم المعاناة، التي تتخبط فيها المشرف الأول على توليد النساء الحوامل بالمستشفيات.

وتقول نعيمة لعربي بوست "بلغ الحد إلى اتهام القابلة بأنها وراء حالات الوفاة المسجلة على مستوى المواليد الجدد، وبعض الأمهات".

وتردف: "لكم فيما حدث بولاية الجلفة خير دليل، لما اتهمت القابلات بأنهن وراء حالة وفاة امرأة وجنينها وهي في الطريق إلى المستشفى، رغم أن القابلات هنا لا دخل لهن فيما حدث".

وهو ما ذهبت إليه رئيسة الاتحاد عقيلة قروش، التي نددت بالضغوطات الممارَسة على القابلات عبر المستشفيات، ووصفت "اتهام القابلة بالتقصير، وتحميلها مسؤولية الوفيات بالأمر الخطير".

وفي حديثها لعربي بوست، اعتبرت قروش اتهام القابلات بالقتل "ينافي تماماً أهداف هذه المهنة النبيلة، التي ترى فيها المواليد أنوار الحياة".

الأسود في انتظار الحكم الأبيض


ولم يكن اختيار الاتحاد الوطني للقابلات، ونقابة القابلات في الجزائر، يوم 26 سبتمبر/أيلول 2017، كموعد للاحتجاج صدفة، بل له ارتباط وثيق بقضية مقتل امرأة وجنينها بمستشفى "عين وسارة" في الجلفة، 400 كلم جنوبي الجزائر، في 24 يوليو/تموز 2017.

وتقول عقيلة قروش "الاحتجاج يأتي عشية النطق بالحكم في قضية متابعة 3 قابلات وزميلين لهن، والمقرر في 27 سبتمبر/أيلول 2017، وهذا بعد الحكم بالسجن المؤقت طيلة إجراءات التحقيق".

وتواصل الحديث: "القابلات العاملات بمستشفيات عين وسارة، والجلفة وحاسي بحبح تم سجنهن ظلماً، ولدى الاتحاد كل الأدلة التي تبرئهن، في انتظار النطق بحكم البراءة المأمول".

وتضيف: "هذه الحركة الاحتجاجية جاءت أساساً للتضامن مع المسجونات، والمطالبة بتحسين ظروف عمل القابلات، بعيداً عن كل التأويلات والاتهامات بمحاولة زعزعة قطاع الصحة وخلق الفوضى".

اللثام يماط


ويعتبر إلياس مرابط، رئيس نقابة الشبه الطبي في الجزائر، أن حادثة وفاة امرأة ورضيعها بالجلفة كانت كفيلة بكشف واقع عمل القابلات المرير.

ويقول مرابط لعربي بوست "أتابع بحرص شديد ما يحدث في قضية القابلات بولاية الجلفة، وأساند المحتجات اليوم، فمطالبهن شرعية وواقع عمل القابلات لا بد من مراجعته أساساً".

ويتساءل مرابط: "فكيف تدخل القابلة السجن، وهي من طبَّقت القانون ورفضت توليد المرأة في حالة حرجة مع غياب طبيب مختص ومعاين، والقانون هنا واضح يؤكد بأن القابلة تقوم بتوليد الحامل بعد معاينتها من قبل طبيب مختص".

وهو ما أكدته عقيلة قروش قائلة، إن "حادثة متابعة القابلات قضائياً كشفت النقاب عن الحالة المزرية التي يعيشها القطاع، وجعلنا أمام تحدٍّ كبير للمطالبة بتحسين أوضاع العمل".

وتضيف: "لا رواتب مقبولة، ولا مصالح لائقة، ولا تجهيزات متوفرة، مع تسجيل نقص في التأطير، وهو ما يعكس ضعف المنظومة الصحية في الجزائر، خاصة في شق الأمومة والطفولة".

8 آلاف قابلة لتوليد أكثر من مليون حامل


الوضع المرير لواقع التوليد في الجزائر، يبدأ بنقص عدد القابلات عبر المؤسسات الاستشفائية، ما جعل الفوضى هي السيد في هذا المجال.

وتقول رئيس الاتحاد الوطني للقابلات الجزائريات: "القابلات يعشن ضغطاً كبيراً أثناء العمل، فتصوروا كيف أن المعدل السنوي للمواليد في الجزائر يفوق 10 ملايين حالة، ويؤطرهن في ذلك زهاء 8 آلاف قابلة".

وتتابع قروش: "من المفترض أن تشرف القابلة على توليد 175 امرأة في السنة وفق المقاييس العالمية، لكن في الجزائر القابلة تستقبل 45 حاملاً في اليوم، وتبلغ ذروة الـ1000 حالة توليد في السنة".

"هذه الصورة تؤثر في المردودية والتركيز، وتنعكس في ارتفاع عدد الوفيات بين المواليد، لأن هناك مناطق الريف والصحراء تنعدم فيها القابلات أصلاً"، تضيف قروش.

الضحايا لن يسكتوا


حادثة وفاة السيدة إسماعيل سعيدة، صاحبة (26 عاماً)، وجنينها بمدينة عين وسارة بالجلفة، في 24 يوليو/تموز 2017، كانت القطرة التي أفاضت الكأس لهزِّ قطاع الصحة عبر الجزائر.

حينها طلب زوج الضحية محمد دربالي، من وزير الصحة، فتح تحقيق في القضية، ومتابعة المتسببين في فقدان زوجته وجنينها، بعد رفض استقبالها في ثلاثة مستشفيات.

محمد الذي يعمل في الأصل إمام مسجد العتيق، حسب جريدة الخبر الجزائرية، يطالب بتسليط العقوبات اللازمة على المتسببين في وفاة زوجته وابنه، حيث قال "بأي رحمة يتعامل هؤلاء العمال عبر هذه المستشفيات مع النساء الحوامل، لا مبالاة، تسيب وإهمال على حساب الأرواح".

ويردف: "لن أسامحهم أبداً بما اقترفوا، وعلى السلطات العليا تسليط العقوبات اللازمة في حق المتسببين في الحادثة".

ضحايا التسيب في المستشفيات لم تقتصر على محمد دربالي فحسب، ففؤاد صالحة من العاصمة هو الآخر فقد زوجته وجنينها بمستشفى بني مسوس بالعاصمة، بعد حادثة الجلفة بأربعة أيام، 28 يوليو/تموز 2017.

فؤاد هو الآخر يطالب العدالة بأداء دورها كما ينبغي في معاقبة المتسببين في الوفاة، خاصة أنه لم يُبلغ من طرف موظفي المستشفى بالإجراءات التي قاموا بها مع زوجته الحامل قبل الوفاة.

لا رحمة ولا عاطفة مع المتقاعسين


وزارة الداخلية والجماعات المحلية في الجزائر، وعلى لسان والي ولاية الجلفة حمانة قنفاف، أكد أن الدولة لن تسكت على مثل هذه التجاوزات، وأي موظف أو عامل يكون سبباً في حوادث كهذه سيُعاقب.

وأكد الوالي "القانون الجزائري واضح، ومن أخطأ سينال العقوبة اللازمة، ولا يجب التعامل بمبدأ العاطفة والتسامح، لأن القضية تتعلق أساساً بأرواح البشر، ونحن نثق في عدالة بلادنا التي ستقوم بكل الإجراءات".

يذكر أن التحقيقات سبق وأفضت إلى إيداع ثلاث قابلات، ورئيس مصلحة مناوب ومساعد الحبس المؤقت، فيما تم التحقيق مع 20 عاملاً، والإفراج عن مديري مستشفيات حاسي بحبح، والجلفة وعين وسارة.

التماس أحكام قاسية


النيابة العامة بمحكمة عين وسارة بالجلفة، كانت قد التمست، الخميس 21 سبتمبر/أيلول 2017، أحكاماً قاسية على المتورطين في وفاة الحامل وجنينها.

حيث التمست سنتين حبساً نافذاً، في حق الطبيبة المختصة في أمراض النساء، وذلك بعدما أقدمت على تزوير شهادة طبية، وهو ما اعترفت به خلال مجريات التحقيق.

فيما التمست سنة حبس نافذ في حق 3 قابلات، يعملن بكل من عين وسارة، والجلفة وحاسي بحبح، وموظفين أحدهما رئيس مصلحة ومساعده.

كما التمست النيابة أيضاً حكماً بشهرين حبساً نافذاً في حق رئيس مصلحة حفظ الجثث، وقد طالب دفاع الضحية النيابة بتسليط كل هذه العقوبات.

تحميل المزيد