باب آمِن للخروج.. أيادٍ متعددة وقبضة واحدة

قد لا يُمكنك القفز فوق أسوار طائفتك، أو التخلّي تماماً عن طموحاتها، خاصةً إن كنت تستوطن بلداً تعددت ثقافاته، وتنوعت أعراقه، وتجذرت أديانه؛ كالعراق أو سوريا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/27 الساعة 08:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/27 الساعة 08:45 بتوقيت غرينتش

قد لا يُمكنك القفز فوق أسوار طائفتك، أو التخلّي تماماً عن طموحاتها، خاصةً إن كنت تستوطن بلداً تعددت ثقافاته، وتنوعت أعراقه، وتجذرت أديانه؛ كالعراق أو سوريا.

وبرغم أنك وُلدت بجينات التعايش، وإيمانك فطري بأنك لست نسخة متطابقة من أقرانك، إلا أنه ما زالت أشباحك تهمس في أذنيك: "اقطع شرايينه.. املأ كأسك من دمه.. ارتشف حتى تسكر، فتسبح أنت القاتل في ملكوت الرب، ويهوي هو المقتول إلى جحيم الشياطين" إنها الطائفية في أبشع صورها عنفاً، وكذباً، وخداعاً.

معادلة صفرية:

كما لا يمكنك أن تدير ظهرك لبيتك الصغير حيث نشأت، أيضاً لا تستطيع الفكاك من بداهة الحقيقة المؤلمة التي يصطدم بها عقلاء الوطن، وحكماؤه عند كل محاولة لإحداث التعايش، ونشر السلام بين شركاء الأمة؛ إذ يتشبث النظام الحاكم بعصا المايسترو بمفرده، فهو لا يرى الشعب بمؤسساته، إلا أعضاءً لفرقة موسيقية واحدة، وعليهم جميعاً الالتزام بإشاراته.

وتلك هي الأزمة الحقيقية؛ إذ يصعب السير في العمل على توحيد الصف، بمعزل عن هذا المايسترو، فلا توجد مؤسسات مستقلة، ولا يوجد مجتمع مدني حقيقي، وذلك هو التحدي القائم في كل حين، والذي لا مفر من إنجازه.

أدعياء الاستبداد والنفعيون يرون أن الديكتاتورية ربما تكون حلاً ناجزاً؛ لإنهاء حالة التشرذم، والتفسخ القائم بين طبقات المجتمع، وشرائحه المختلفة في البلدان المتعددة ثقافياً، أو المتداخلة ديموغرافياً؛ حيث يمكن للحاكم المستبد أن يكبح جماح الكل، وأن يحول دون تغوّل فئة على أخرى، فيصير الوطن نسيجاً مترابطاً، ويصبح المجتمع واحة آمنة للتعايش المجتمعي.

ومن يعتقدون في هذا التصور، يلوح في ذاكرتهم فترة حكم الرئيس العراقي الراحل (صدام حسين)؛ حيث شعار الدولة الوطنية الجامعة: {عراق لكل العراقيين}، ويرون أن الصراعات الدموية بين الطوائف والمجموعات، تنشط -حصراً- في فترات ضعف النظام السياسي، وتستعر بمجرد رحيله التام عن المشهد.

فالشوارع والأحياء التي خلت من صيحاته، وخرجت عن قبضته صارت مرتعاً للأشباح، وخفافيش الظلام، بعد أن غادرت كهوفها الكائنة بأقاصي الجبال، وأطراف القرى البعيدة، وأسرعت نحو العواصم، فتكونت الميليشيات المسلحة، والبيئات الحاضنة لها.

صار القتل على الهوية؛ فدارت المجازر، وكثرت عمليات الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، تم محو الموروث الثقافي والتاريخي، دُمِرت البِنى التحتية للبلاد، فرّت العائلات إلى مناطق نائية، حيث قسوة العيش، والتشرد، والمصير المجهول، فهل كان لذلك أن يحدث في حضرة الدولة، أي لو لم يرحل (صدام) ورجالاته؟

ويرى آخرون أن الديكتاتورية نظام شمولي، مركزي، عقيم، ينبغى إحلاله، فلربما كان سبباً رئيسياً في نشوب النزاعات بين أطياف المجتمع، ومكوناته؛ حيث إن نظاماً كهذا نرجسياً لا يؤمن بالتعددية، يزاوج بين التنوع الطائفي والتقسيم على أساس طائفي، يوسع باستمرار مفهوم الأمن القومي، ويجعله فضفاضاً؛ حتى يتمكن من إحكام سيطرته على البلاد، واحتكار السلطة، التي لا يزحزحه عنها إلا الموت، أو التوريث، أو الانقلاب، أو الثورة، فليس هناك ما يعرف بالتداول السلمي أو الطبيعي للسلطة، وبهذا تظل البلاد قابعة فوق فوهة بركان، يتحسس لحظة الانفجار.

ثمة قضية أخرى مرتبطة، تزيد من خطر هذا النظام على الدولة التي يحكمها، وهي إن كان الحاكم ابناً لإحدى الطوائف الراديكالية، كما هو الحال في سوريا؛ إذ ينتمي النظام للطائفة الشيعية العلوية، حيث الامتيازات الواسعة، والتوغل السياسي، والعسكري، والاقتصادي الممتد في جسد البلاد طيلة عقود، منذ فترة الأب.

لذلك فالشعور القائم بالاحتقان، والكراهية، وذهاب روح الانتماء يزداد توتراً، ورغبة متأهبة للانتقام؛ جراء التهميش وتجاهل الحقوق المشروعة، وسيطرة فئة بعينها على مقدرات الوطن، عبر أميرها المسمى برئيس الدولة.

فتعلو بذلك دعوات الانفصال عن الدولة الأم، وتندلع الصراعات الطائفية الفوضوية وقت تزعزع أركان الحكم، في حين كان من الممكن معالجة الأمر، وقت استقرار أركان الحكم.

صراع مُلتبس:

الجدل لا يتوقف حول طبيعة الصراع القائم في منطقة الشرق الأوسط، والساطع نجمه في العراق وسوريا، هناك مَن يعتقد أن الصراع طائفي {سني – شيعي} بغلاف سياسي خادع من قِبل الطامعين والطامحين، لفرض مذهبهم ونشره في كافة المناطق التي يمكنهم الوصول إليها؛ لإحياء إمبراطورية أجدادهم.

وهناك مَن يظن أن الصراع سياسي، بغلاف ديني تآمري من قِبل المستغلين لمشاعر الشعوب المتأصلة دينياً؛ بهدف كسب مزيد من أوراق الضغط السياسية لاستخدامها لاحقاً في محاولة تغيير الهوية الجمعية، والثقافة السائدة، وهؤلاء غالباً ما يفتحون قنوات اتصال بينهم وبين أجهزة مخابرات بعض الدول المعادية لفكرة الهوية الدينية العابرة للحدود.

وإذا سلمنا بوجود مؤامرة حقيقية على كلا الشعبين العراقي والسوري، وأن هناك محاولة قفز على مكتسباتهم التي كانت وشيكة؛ فليس غريباً أن تتعدد التنظيمات، والفيالق على الأرض السورية، يقاتل بعضها بعضاً؛ إما دعماً للنظام القائم، أو لمصلحة أنظمة أخرى خارجية، والجميع يرفع الشعارات الدينية ذاتها، في مشاهد عبثية قاتمة.

أما المعارضة المنبثقة عن الثورة، فعليها دائماً درء خطر الجماعات المسلحة، الموالية أو المناهضة للنظام، والتي تريد فرض أجندتها بالقوة، وهذا يؤكد ما سبق قوله بخطورة أن ينتمي النظام الحاكم لطائفة أصولية.

بدائل موازية:

دعاة الفتنة، وأمراء الحروب دائماً ما يستغلون التقسيمات المجتمعية؛ لخلق فكرة الأقليات المستضعفة، لضمان حقها في أخذ حصتها من كعكة الوطن، الذين هم قاموا بتفتيته. والحقيقة الغائبة عن الأذهان أن الأقلية هي التي تحكم في الأنظمة غير الديمقراطية، مثل سوريا الأسد.

إن الحديث عن الأوزان النسبية للكتل الشعبية، والتشبث بحق الأغلبية الفائزة في أن تصنع ما تشاء؛ لهو دعوة لاستبدال استبداد قائم بآخر، ربما يكون أسوأ؛ ولكن بلباس ديمقراطي.

وللأغلبية الحق في إدارة شؤون البلاد، فقط من خلال مؤسسات مدنية مستقلة، منبثقة عن دستور مدني ديمقراطي توافقي، يرعى حقوق الأغلبية، والأقلية معاً؛ إذ إن مستقبل الوطن يرسمه جميع أبنائه معاً، فلا مجال للمحاصصة أو المخاصصة، خارج أروقة المجالس النيابية، أو أبنية الإدارة؛ حيث التقسيمات بداخلها مقبولة سياسياً، وشعبياً، فهي قائمة على أساس تنافسي؛ يحفظ للفائز حقه، ويضمن للخاسر إمكانية العودة مستقبلاً.

والحقيقة أنه لا سبيل للخروج من أزمة الاستبداد، وتعثر حلم التعايش المثمر بين المواطنين إلا بدعم المجتمع المدني، ولا تقويم حقيقي لأداء منظومة الحكم إلا بالمراقبة الشعبية بوسائلها المدنية السلمية الضاغطة.

فالحفاظ على الوطن هو مسؤولية كل مواطن، ولكن لا بدّ أن تكون الحكومات ممثلاً حقيقياً للشعب، إن أرادت دعمه، وإلا فالفوضى دائماً هي البديل.

خطاب جديد:

التنوع البشري ثروة حضارية، يجب الحفاظ عليها، لا تبديدها.

كلنا يخرجُ من رحم الإنسانية الفسيح، ولو أرادنا الخالق أمةً واحدةً لفعل، ولكنها أجناس متعددة، تتعارف؛ لتتآلف، وتتداخل؛ لتتعايش؛ فتنمو بذلك البشرية، وتتطور بانتشار العمران في الأرض، وتتم الرسالة التي خُلق من أجلها الإنسان.

فأن تؤمن بأنك لست وحدك في السفينة يُعد بداية جيدة لبناء صرح عظيم، للتعاون بين الفرقاء.

الإيمان بالفكرة هو أول خطوة نحو تطبيقها. وأياً ما كانت المعادلة في الواقع؛ فإنك أنت العنصر الرئيسي بها.. أنت القوة الكبيرة المبعثرة، التي إن تجمَعت، والتحمت؛ لأدبر الطامعون والطامحون، وفر أمراء الحروب وخفافيشهم؛ لتوقف العبث بمقدراتك وثرواتك، لزال الخوف، وحل الأمن والاستقرار.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد