النزيف الصومالي المستمر في كندا

الجاليات العربية والإسلامية في الغرب عموماً تعاني من صعوبة التأقلم مع الواقع الثقافي الجديد، ولا سيما فيما يتعلق بتربية الأجيال التي تواجه فقدان الهوية، ولكن الجالية الصومالية في كندا تختلف كثيراً وتعاني أكثر من غيرها من الجاليات بسبب وقوع أبنائها في فخ الجريمة والعصابات، فضلاً عن عدم تعاونهم مع السلطات الأمنية لحل هذا اللغز المحير!

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/27 الساعة 07:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/27 الساعة 07:07 بتوقيت غرينتش

الجاليات العربية والإسلامية في الغرب عموماً تعاني من صعوبة التأقلم مع الواقع الثقافي الجديد، ولا سيما فيما يتعلق بتربية الأجيال التي تواجه فقدان الهوية، ولكن الجالية الصومالية في كندا تختلف كثيراً وتعاني أكثر من غيرها من الجاليات بسبب وقوع أبنائها في فخ الجريمة والعصابات، فضلاً عن عدم تعاونهم مع السلطات الأمنية لحل هذا اللغز المحير!

وتعد تلك الجالية من أقدم الجاليات الصومالية في الغرب وتتوزع في العديد من المدن الرئيسية والغالبية العظمى منهم تعيش في ولاية أونتاريو، ولا سيما في عاصمة الولاية تورنتو، ومع ذلك ليس لها تأثير سياسي ملحوظ يتناسب مع حجمها رغم التحديات الجسام التي تواجه مستقبلهم ووجودهم الذاتي.

وتشير بعض التقارير إلى وجود المئات من شباب الجالية في السجون، كما أن الكثير منهم يتعرضون للقتل العشوائي في شوارع عواصم الولايات مثل تورنتو وإدمونتون، كما تشير التقديرات الأولية إلى أن عدد القتلى المراهقين من الجالية يتجاوز ثلاثمائة شاب تم قتلهم بإطلاق نار، ولم تقدم الشرطة تحقيقاً رسمياً لأسباب هذا الأمر، ولا تزال أغلب هذه الجرائم تسجل ضد مجهول، مما يؤكد ضرره السعي لإيجاد آلية شعبية للضغط على الحكومة ومؤسسة الشرطة ولإظهار حجم المشكلة الحقيقي، ومع هذا لم تتحرك قيادات الجالية ومراكزهم بالصورة المتوقعة والمأمولة، وقد تكمن الإشكالية في عدم وجود هيئة رسمية مهتمة بإيقاف هذا النزيف رغم كثرة الهيئات العاملة تحت اسم الجالية المدعومة من الحكومة، فضلاً عن وجود عدة مراكز إسلامية لا تقل سلبية عن تلك الهيئات تجاه هذه القضية.

ويؤكد بعض المتابعين أن المشكلة الكبرى التي تعانيها الجالية تكمن في الجيل الأول الذي لم يطور نفسه بما فيه الكفاية، رغم ما كان متاحاً له من الفرص؛ حيث إن البعض منهم لا يزال يعيش ويفكر وكأنه يعيش في قريته، ويرى بعضهم التأقلم مع البيئة الحالية ومواجهة الحياة بحقيقتها نوعاً من الانسلاخ عن الهوية الإسلامية.

وقد ترك هذا آثاره السلبية على الجيل الثاني الذي ورث العقلية الانسحابية وسلبياتها من جيل الآباء والموجهين! وواجه صعوبة الحياة بصدور عارية وبلا معين، ومع هذا فإن اللوم يقع على الشباب دائماً وبلا رحمة، ومن المؤكد أنهم يتحملون جزءاً من المشكلة ولكن صعوبة الزمان والمكان والإهمال الأُسَري هو الذي يجب على الجميع أن يتوجهوا إلى علاجه لتقليل تبعات النزيف، وإلا فإن مستقبل أبناء الجالية لن يخرج من النفق المظلم الذي لا يزال يتأرجح فيه منذ الأعوام الأخيرة.

الاهتمام والحل

قد لا تكون هناك حلول سحرية للمشكلة ولكن من المهم جداً جذب اهتمام أبناء الجالية لإيقاف هذا النزيف وضع الحلول المطلوبة والتعامل مع الحكومة ومؤسسة الشرطة والاستفادة من جميع هيئات الجالية الفاعلة، وينبغي الحذر والابتعاد عن كل الأسباب التي أفشلت أو قللت فاعلية الهيئات والمراكز الموجودة بما فيها الخلافات الفئوية والتنافس إلى المنح الحكومية، ومن المفيد جداً الاهتمام بهذه المطالب التي تعتبر ضرورية وملحّة في المرحلة الأولى:

– تشكيل لجنة مكونة من المهتمين في شأن الجالية مهمتها وضع آليات مدروسة تتناسب مع حجم المشكلة وتعامل معها بصورة علمية.

– الاستفادة من وجود المراكز الإسلامية وتوسيع دورها ليتناسب مع المرحلة الحرجة التي تمر بها الجالية.

– إيجاد مكاتب للاستشارات النفسية في داخل هذه المراكز لإعطاء الآباء فرصة لمعرفة المشكلات النفسية لأبنائهم ووضع حلول علاجية لها قبل استفحالها.

– عقد دورات تربوية موجهة للأبناء تخاطب عقولهم وإعطاؤهم فرصة الحديث عن مطالبهم ورؤاهم لمواجهة التراكمات النفسية والاجتماعية المسببة للانحراف وكيفية فهمها.

– الاستفادة من الجانب المشرق للشباب وتوظيف نجاحاتهم وتسليط الضوء عليهم في المنتديات الموسمية، بدلاً من الحديث عن الفشل فقط، وكما يقول المثل: (أشعل شمعة بدلاً من أن تلعن الظلام).

ونظراً لحجم المشكلة وصعوبتها، فإن الحل يتطلب تضافر الجهود والإمكانات وطَرْق جميع الأبواب الممكنة، ومن الجدير الإشارة إلى أن الأنظار لا تزال متجهة نحو المراكز الإسلامية لاعتبارها مراكز خدمية تملكها الجالية رغم ما يشوبها من ضعف، وبإمكانها أن تقوم بالدور المطلوب إذا كان قادتها يحملون همّ إنقاذ أبناء الجالية من الاندثار، ومن المعيب أن تفشل هذه المراكز حتى في حل بعض المشكلات الأسرية، وأن تتحول لمراكز للتلقين، وعيادات غير مرخصة لعلاج الأرواح الشريرة، بدلاً من أن تكون محاضن تربوية مهمتها الحفاظ على هوية الجالية وأمن المجتمع، ورغم ذلك كله علينا أن نؤكد أن أداء بعض هذه المراكز جدير بالاهتمام ويبعث على الأمل؛ لذلك يجب على الجميع التحرك بإيجابية والمشاركة في إيقاف هذا النزيف.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد