بعد أن تحقق ما كانت الأحزاب الديمقراطية وغالبية المواطنين الألمان يخشون حدوثه، وحقق حزب "البديل لأجل ألمانيا" الأحد 24 سبتمبر/أيلول نتيجة تاريخية بالنسبة له عندما دخل البرلمان وحصوله على (94 مقعداً)، حاولت وسائل الإعلام ومحللون تقصي دور وصول اللاجئين وتواجد الأجانب في ذلك، سيما وأن الحزب المذكور ركز بشكل كبير في حملته الانتخابية على بث الذعر في نفوس المواطنين من الإسلام ووصول اللاجئين للبلاد.
إلا أنه تبين أن الولايات الشرقية، التي استطاع اجتذاب أكبر عدد من الناخبين فيها، هي تلك التي يقيم فيها قلة من الأجانب واللاجئين، ما يعني أنها الأقل تأثراً بما يُسمى "أزمة اللاجئين".
معقل لليمين قبل اللاجئين
في منطقة باخ ضاحية برلين يعيش محمود جيلان منذ أكثر من 25 سنة، بالنسبة إليه لم تكن النتائج التي حققها حزب البديل بالمفاجئة، فقد تعود أن يسمع اتهامات من الألمان الذين يقطنون بالمنطقة تدينه هو وباقي المهاجرين من أصول تركية ويتهمونهم برفض الاندماج في ثقافة وعادات المجتمع التركي.
يحكي أنه يسمع دائماً أشياء مسيئة في القطار والشارع " لايعرفون أنني هنا منذ أكثر من ربع قرن، يجهلون أنني أعمل ومستقر".
وحينما يسأل محمود عن صعود حزب البديل فإنه يهز كتفيه، فالأمر الذي فاجأ كل أوروبا، يبدو بالنسبة إليه عادياً، ففي المنطقة التي يعيش تنتشر ثقافة حزب اليمين التي تغذي حزب البديل وأدت إلى تحقيقه تلك النتائج في الانتخابات الأخيرة.
ملاحظة محمود تؤكدها الإحصائيات، فقد حصد الحزب أقوى نتائجه في الولايات الشرقية، وعلى نحو خاص ولاية ساكسونيا، عاصمتها دريسدن، معقل حركة بيغيدا (أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب)، حيث تفوق فيها على جميع الأحزاب بما فيها الأحزاب التقليدية (المسيحي الديمقراطي، الاشتراكي الديمقراطي) بنتيجة 27٪ من الأصوات، أي بزيادة قدرها خمسة في المائة بالمقارنة مع انتخابات العام 2013.
#PT Difference even more stark when looking at all foreign residents (w/o German citizenship):
•L: Foreign residents
•R: AfD strongholds pic.twitter.com/1EpdzTAhUz— Tobias Schneider (@tobiaschneider) September 25, 2017
الباحث توبياس شنايدر نشر على موقع تويتر ليلة الانتخابات خرائط تظهر أن ناخبي هذا حزب البديل لم يتأثروا سلباً باللاجئين نظرا إلى أن عدد أكبر من طالبي اللجوء يتواجدون في غرب ألمانيا، على نقيض شرق البلاد، حيث معاقل حزب البديل، انتخابياً. وأضاف في تغريدة أخرى أنه عند المقارنة بين عدد الأجانب بشكل عام أي الحاملين وغير الحاملين للجنسية الألمانية، نجد أن الفارق أقوى، إذ تصبح نسبتهم أقل أكثر في الشرق عن الغرب.
وأكدت صحيفة "نويه زيورشه تسايتونغ" السويسرية في مادة إحصائية لها عن الانتخابات الألمانية، هذه الملحوظة بعد الإعلان عن النتائج الرسمية، وقالت إن الدوائر الانتخابية التي حصد فيها حزب "البديل لألمانيا" على 20٪ من الأصوات وما فوق، يعيش فيها قلة قليلة من الناس من ذوي الأصول المهاجرة.
In districts where AfD vote is strongest, the share of population with migration background is very low https://t.co/Nsf7JZcMeo pic.twitter.com/tEjNkfK1rK
— Mathieu von Rohr (@mathieuvonrohr) September 25, 2017
وبينت أن الحزب كان أقل نجاحاً في حصد الأصوات في المناطق ذات الأكثرية المهاجرة، أي في مدينة فرانكفورت، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه على الرغم من ذلك، هناك الكثير من الدوائر الانتخابية التي حقق فيها حزب "البديل" بين 10 و15٪، وتتفاوت فيه نسبة الأشخاص من أصول مهاجرة بشدة.
مواصفات ناخب "البديل"
حسب موقع مجلة "شتيرن" فإنه يمكن وصف ناخب حزب "البديل" بأنه ألماني شرقي ذكر، أقل تعليماً(نسبة الناخبين الجامعيين لحزب البديل 7٪ فقط)، ولكنه في نفس الوقت قادر على جذب ناخبين بأعداد كبيرة من مختلف الشرائح المجتمعية.
لكن ما الذي دفع الناخبين في شرق البلاد على نحو خاص إلى الانجذاب لليمين المتطرف، فبات حزب البديل ذا شعبية كبيرة هناك، رغم أنهم استقبلوا عدداً أقل من اللاجئين، ويعيش بينهم عدد أقل من ذوي الأصول المهاجرة؟ وهل الأمران مرتبطان بشكل مباشر؟
جواباً عن السؤال يقول الخبير الاقتصادي كريستيان أودندال من مركز الإصلاح الأوروبي لعربي بوست، إنها ظاهرة مماثلة لما حدث في أماكن أخرى، وأن اللاجئين أو الأجانب مجرد رمز لكون المرء قد تعرض للإهمال اجتماعياً أو ثقافياً، في إشارة إلى أن العدد لا يشكل فارقاً في الأمر بالنسبة للمصوت لذلك الحزب.
وبين في تغريدة له على موقع تويتر، أن هناك إحباطاً عميقاً في شرق ألمانيا، حول الكيفية التي انتهت إليها إعادة توحيد شطري البلاد، لافتاً إلى أن التصويت الاحتجاجي تحول من اليسار إلى حزب البديل لأجل ألمانيا، اليميني المتطرف.
ويظهر حجم التصويت الاحتجاجي جلياً في استبيان أجرته مؤسسة "انفراتيست ديماب" البحثية بين ناخبي حزب البديل، إذ قال 31٪ منهم إنهم صوتوا لصالحه عن اقتناع ببرنامجه، فيما قال 60٪ إنهم فعلوا ذلك، لأنهم محبطون من بقية الأحزاب، وقال 89٪ منهم إن حزب ميركل المسيحي الديمقراطي لم يعد يأخذ مخاوف المواطنين محمل الجد، وانتقد 98٪ منهم (42% من ناخبي جميع الأحزاب) سياسة ميركل الخاصة باللاجئين.
تصويت عقابي
لؤي المدهون الباحث في الشؤون الألمانية يتفق في الرأي مع الخبير أودندال، حيث اعتبر في تصريح لـ"عربي بوست" أن "قضية اللاجئين لعبت دوراً ظاهرياً في فوز حزب البديل بهذا الكم الكبير من الأصوات في الانتخابات البرلمانية في شرق ألمانيا، لأنه نجح في توظيف الهواجس والمخاوف العامة من تدفق اللاجئين وفقدان الدولة الألمانية السيطرة على حدودها".
موضحاً أن الأسباب الحقيقية ليس لها علاقة حقيقية بقضية اللجوء؛ بل هي تعود إلى شعور شرائح معينة في المجتمع في شرق ألمانيا بالتهميش وعدم اهتمام النخبة السياسية الألمانية بمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية كما يعتقدون، علاوة على ضعف الوعي الديمقراطي وانحسار دور منظمات المجتمع المدني.
وأشار إلى أن ما زاد الطين بلة كان "تجاهل الأحزاب الحاكمة لتحدي اليمين المتطرف في العقود الأخيرة، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الناخبين في فخ التحريض اليميني، وتحول اللاجئون إلى كبش فداء لمشاكل لا علاقة لهم بها".
وبخصوص فكرة إرسال المزيد من اللاجئين للعيش في شرق البلاد، بغرض تبديد مخاوف السكان منهم، فقد اعتبر أودندال أنها ستكون ذات تأثير عكسي في البداية على الأقل، في حين وصفها لؤي المدهون المحاضر في جامعة كولونيا بالكارثية التي ستزيد المشاكل تعقيداً، مشيراً إلى أن "ما نحتاجه اليوم هو المزيد من التوعية وتفنيد أطروحات اليمين الشعبوي بدلاً من تكرار ادعاءاته البعيدة عن الواقع".