بعد انتصارٍ طعمه قريب من الهزيمة، تواجه المستشارة الألمانية، التي ينظر لها على أنها زعيمة العالم الحر، تحديات جسيمة قد تحول ولايتها الرابعة والتي ستكون الأخيرة لها، على الأرجح، إلى كابوس بعد أن قادت بلادها إلى تحقيق نجاح كبير يوصف أحياناً بالعصر الذهبي.
وقالت ميركل لأصدقائها المقربين إنها ترغب في التخلي عن السلطة في الوقت الذي تختاره، لكن ترك منصبها وسط فترة الحكم سيكون أمراً مناقضاً لطبيعتها ما لم تكن تعاني مشكلاتٍ صحية، وهو ما قالته بنفسها في وقتٍ سابق، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية .
وليس من سمات ميركل أيضاً ترك أي ملفٍ هام مفتوح دون إتمام عملها به. لكن التحديات التي تواجهها هامة وثقيلة، إليك أبرزها:
صناعة السيارات الألمانية مهددة
بينما يتمتع الاقتصاد الألماني ببعض ملامح العصر الذهبي، هناك العديد من المؤشرات على وجود مشكلات قادمة، بدءاً من التحديات التي يواجهها قطاع الصلب المتأزم، والذي يوظف آلاف العمال، وصولاً إلى أزمة وقود الديزل.
كما تواجه ألمانيا، الرائدة في مجال حماية البيئة، تحدياً كبيراً يتعلق بأهم أيقوناتها الصناعية؛ إذ تتزايد الدعوات المطالبة بإلغاء محركات الاحتراق الداخلي في السيارات، وهو أمرٌ يتطلب من قيادة البلاد التأكد من عدم تسبب هذا التحول في تعريض صناعة السيارات الألمانية، التي تعتمد عليها أكثر من 800 ألف وظيفة، لأضرارٍ طويلة المدى.
وكانت فضيحة محركات الديزل لشركة فولكسفاغن، التي توصف بأنها فخر الصناعة الألمانية، اتخذت أبعاداً غير مسبوقة، بعد اعتراف المجموعة الألمانية العملاقة بأن 11 مليوناً من سياراتها في العالم مزودة ببرنامج معلوماتي للغش في اختبارات مكافحة التلوث، بعدما استطاعت السلطات الأميركية كشف هذا البرنامج.
وإثر الفضيحة، أعلن رئيس مجموعة فولكسفاغن الألمانية، مارتن فينتركون، في 23 سبتمبر/أيلول 2015، استقالته.
وتثار تساؤلات في أوروبا حول إذا ما كانت قواعد الاتحاد الأوروبي الرامية إلى دفع الشركات لتقليل الانبعاثات الكربونية المضرة بالبيئة تؤدي إلى تحفيز الشركات على التطوير والتجديد في ابتكاراتها بهذا المجال أم قد تفضي في النهاية إلى انقراض صناعة السيارات في القارة التي اخترعت السيارة.
وحسب إحدى الدراسات، فإن أوروبا أصبحت أقل المناطق ربحية بالنسبة لشركات صناعة السيارات، وإن مزيداً من هذه القواعد من شأنها جعل الأمور أسوأ بالنسبة للشركات، ويمكن أن تسرع عملية إغلاق مصانع السيارات في أوروبا، لتفتح بدلاً منها في آسيا وأميركا الجنوبية.
تخلف في التكنولوجيا الرقمية
وتعي ميركل أيضاً حاجة ألمانيا لاتخاذ خطواتٍ كبيرة لتحسين أدائها فيما يتعلق بقطاع التحول الرقمي في ظل وجود مؤشرات عديدة على تأخرها خلف غيرها من اللاعبين الدوليين، وفقاً لتقرير "الغارديان".
هل تنقرض ألمانيا؟
ومن المحتمل أيضاً أن تصاب قوة الاقتصاد الألماني بأزمةٍ سكانية؛ إذ ستشهد السنوات القليلة القادمة بلوغ أبناء جيل طفرة المواليد، وهم الأطفال الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية في الفترة من 1946 إلى 1964 تقريباً ويشكلون قطاعاً كبيراً من السكان في الدول المتقدمة- سن المعاش.
وبينما تعافى معدل الإنجاب المنخفض والمزمن في البلاد إلى حدٍ ما خلال السنوات الأخيرة، فقد جاء هذا التعافي متأخراً للغاية على أن يتمكن من معالجة العجز في عدد السكان.
اللاجئون
وبينما ينظر غالباً إلى مئات آلاف اللاجئين الذين استقبلتهم ألمانيا على أنهم جزءٌ من حل الأزمة السكانية، لا يزال هناك تحدٍ هائل أمام دمجهم واستيعابهم داخل المجتمع الألماني وفي سوق العمل؛ ما يستدعي أن تقدم الحكومة المركزية المزيد من الإرشاد والإجراءات الإصلاحات -على المستويين المالي والتشريعي- إذا كانت ميركل لا تريد أن يقال عن إرثها في الحكم أن سياسة الباب المفتوح مثلت فشلها الأكبر.
ويجب على ميركل الاستجابة للمطالب الملحة لإصلاح سياسات الهجرة الألمانية؛ لضمان التحكم بدرجة أكبر في تدفق العمالة الماهرة ونصف الماهرة، بالإضافة إلى الاستثمار أكثر في تدريب وتعليم المهاجرين داخل البلاد؛ اعترافاً من الحكومة بحقيقة أنه من الصعب اجتذاب العمالة الماهرة للانتقال إلى ألمانيا.
المعاشات
وسيكون إصلاح نظام المعاشات في ألمانيا أمراً إلزامياً أيضاً؛ إذ لا يحظى إصرار ميركل الأخير على الالتزام بقاعدة خروج الموظفين إلى المعاش عند سن الـ63 عاماً بتوافق العديد من حلفائها السياسيين ومستشاريها الاقتصاديين، الذين يعتبرون خطتها غير واقعية للغاية.
الفحم الحجري والطاقة النووية
وعلى الصعيد البيئي، تواجه ميركل هجوماً بسبب دعمها استخدام "الليغنيت"، وهو نوعٌ من الفحم الحجري، في صناعة السيارات، رغم أضراره الجسيمة والاستخدام الفاسد له؛ نظراً إلى انبعاثاته. وربما تجبر ميركل على مواجهة حقيقة أن رد فعلها السريع تجاه كارثة فوكوشيما النووية في اليابان، والتي دفعتها إلى إعلان أن ألمانيا ستتخلص من الطاقة النووية- كان متسرعاً للغاية.
الحرب
وفي ملف الدفاع، ستجد ميركل نفسها مضطرة إلى التعامل مع مطالب حلف الناتو والولايات المتحدة بزيادة ميزانية الدفاع، فضلاً عن إرضاء التوجه السلمي العام لدى الناخب الألماني في الوقت نفسه.
لكن بينما يلعب الجيش الألماني دوراً هاماً، على نحو متزايد، في مناطق مثل إفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى تزايد تكلفة التطوير التكنولوجي، ستتقلص الخيارات المتاحة أمام ميركل وستجد نفسها مضطرة إلى القتال من أجل زيادة ميزانية الدفاع.
صفقات حساسة
وستشهد الأزمات في أوكرانيا وتركيا -وهما الدولتان اللتان تقيم معهما ميركل صفقات حساسة بشأن اللاجئين- وحول كوريا الشمالية، استمرار انخراطها العميق في القضايا الهامة للسياسة الخارجية. كما أن كلاً من سياسة الانعزال السياسي لدونالد ترامب، والعدوانية الروسية، والإرهاب الدولي- ستبقي ميركل مشغولة.
الانفصال
وستضطلع المستشارة الألمانية بدورٍ محوري في مفاوضات البريكست (انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي)، ما دام الاتحاد الأوروبي يدار بشكلٍ متزايد من برلين بدلاً من بروكسل.
ومن الواضح أنها ستتصرف بصرامةٍ مع أي شيء يبدو متساهلاً مع بريطانيا.
فقدان فرنسا
وسيتعين على ميركل أيضاً العمل بشكل وثيق مع رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، على إصلاحات الاتحاد الأوروبي، بما فى ذلك العمل على إنشاء صندوق للنقد الأوروبى.
وتعلم ميركل أنه في حال تعثرت شراكتها مع ماكرون وفشلت رئاسته، فإن ذلك سيؤدي إلى صعود اليمين المتطرف للحكم في فرنسا.
ترامب.. بشع وسخيف
وعلى الرغم من أن ميركل قد رفضت تسميتها "الزعيمة الجديدة للعالم الحر" بعد انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، واصفةً ذلك بأنه "بشع وسخيف"، قالت إنها تدرك جيداً التوقعات المعقودة عليها من قبل الناخبين الألمان وكذلك نظرائها في مناطق كثيرة من العالم؛ إذ يريدون ضمان كون ألمانيا دعامةً للاستقرار.
وهذا هو السبب في عرضها الاضطلاع بدور المفاوض بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، ولكن هذا دور ستستطيع ألمانيا مواصلته فقط إذا ما بقيت مستقرةً اقتصادياً.
"البديل" المتطرف
وستواجه ميركل في منصبها فترة أكثر صعوبة مقارنةً بأيٍ من فتراتها الثلاث السابقة؛ وذلك نظراً إلى حضور الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" بقوة في مجلس النواب؛ إذ سيكون له عددٌ كبيرٌ من المقاعد (بين 60 و 85)، وقد تعهدت بإعادة تنظيم ثقافة النقاش التي وصفتها بأنها توافقية ورتيبة.
الخليفة
وسوف تضطر المستشارة الألمانية إلى إيلاء الاهتمام لقضية لطالما أهملت تماماً على مدار السنوات الـ12 الماضية – وهي إيجاد خليفة لها.
فبعد 12 عاماً في المنصب، وفي طريقها لمعادلة أو ضرب رقم المستشار الأسبق هلموت كول والذي ظل في المنصب 16 عاماً، يجد كثيرٌ من الألمان صعوبةً في تخيل أي شخصٍ آخر في مقعد القيادة.