أسرار شخصية ميركل زعيمة الغرب العنيدة.. لهذه الأسباب تتعاطف مع اللاجئين وهكذا تفرض الهيمنة الألمانية على أوروبا

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/25 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/25 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش

حلم هتلر بأن تهيمن بلاده على أوروبا، وتسبب في أشرس حرب بالتاريخ بسبب ذلك، والآن باتت ألمانيا تقترب من تحقيق هذا الحلم، ولكن اللافت أن هذا يتم وسط ترحيب أوروبي واضح.

"فهل أصبحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي حققت هذه المكانة لبلادها، تشتهي العناد"؟، تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية عرض التغييرات التي طرأت على شخصية ميركل مع ازدياد نفوذها بالساحة الأوروبية والدولية، محاولاً توقع الدور الذي ستتولاه ألمانيا تحت قيادتها خلال المرحلة المقبلة.

وقال التقرير إنه بينما تنحسر فكرة أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حالياً، بحكم الأمر الواقع تقريباً، زعيمة العالم الغربي، والمدافعة عن التحالفات والتعددية العابرة للأطلسي. ولكن شئنا أم أبينا، صارت ميركل والدولة التي ستتزعمها لولاية رابعة جهتين فاعلتين على المستوى العالمي.

وقد تكون ألمانيا دولةً "مهيمنةً عنيدة"، ولكنها مع هذه الهيمنة، هي أكبر وأغنى وأهم دولة في أوروبا، التي تعد بدورها أغنى منطقة بالعالم. وغالباً ما يقال إن ألمانيا كبيرة جداً بالنسبة لأوروبا وصغيرة للغاية بالنسبة للعالم.

خصومها

رغم استخدامها لهجةً حذرةً في التحدث عن السلطة، وبعد 12 عاماً بمنصبها، "صارت ميركل تشتهيها"، على حد تعبير ستيفان كورنيليوس، وهو كاتب سيرتها الذاتية، ومحررٌ بارزٌ في صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية.

وتخوض ميركل معارك كلامية بانتظام مع ترامب حول التجارة والمناخ، ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول ضم شبه جزيرة القرم والعقوبات الاقتصادية، ومع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول حقوق الإنسان والهجرة.

أردوغان

ووصلت ميركل لذروة سجالها مع أردوغان عندما قالت في مناظرة مع خصمها مارتن شولتز قبيل الانتخابات: "يجب ألا تصبح تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي"، وأنها ستعمل على وقف النقاش حول طلب انضمامها.

في المقابل، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأتراك الذين يحق لهم التصويت في ألمانيا إلى عدم التصويت للأحزاب الكبرى، بما فيها حزب المستشارة أنجيلا ميركل، خلال الانتخابات.

كما سبق أن شن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هجوماً على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل واتهمها باللجوء إلى "ممارسات نازية"؛ بسبب توتر بالغ بين أنقرة وألمانيا وهولندا من جهة ثانية، بعد أن رفضت الدولتان إلقاء وزراء أتراك كلمات أمام أتراك مهاجرين في إطار الحشد للاستفتاء التركي على تعديلات دستورية، بينما قالت برلين وأمستردام إن المنع كان لاعتبارات تتعلق بالسلامة.

ورغم أن الخلاف التركي-الألماني قديمٌ، فإنه بدأ يدخل مرحلة التوتر المتصاعد بعد الانقلاب العسكري الأخير صيف عام 2016، ولجوء عناصر تتبع لتنظيم "الخدمة" الذي يتزعمه الداعية فتح الله غولن، إلى ألمانيا ومنحها اللجوء السياسي، ورفضت ألمانيا تسليمهم إلى أنقرة، مثلما رفضت حكومة ألمانيا طلبات تركية أخرى، بتضييق الخناق على نشطاء حزب العمال الكردستاني، الموضوع على قائمة الإرهاب، حسب تقرير لصحيفة "الرأي اليوم".

كما غضب المسؤولةن الأتراك جراء رد الفعل الأوروبي الحذر والبارد على الانقلاب الفاشل في تركيا ؛ إذ تأخرت غالبية العواصم الأوروبية عدة ساعات في إدانة محاولة الانقلاب، كما أن هناك تصوراً في تركيا أن أوروبا والولايات المتحدة دعمتا أنقرة بفتور بعد محاولة الانقلاب.

حقوق الإنسان

ميركل صارت مدافِعةً أكثر صراحةً عن حقوق الإنسان، والتعاطف مع اللاجئين، والحاجة إلى خفض انبعاثات الكربون. وكما قالت في شهر مايو/أيار، معربةً عن خيبة أملها من مواقف ترامب المتذبذبة بشأن حلف شمال الأطلسي، وروسيا، والتغير المناخي، والتجارة: "لقد انتهت بدرجةٍ ما الأوقات التي يمكن الاعتماد فيها اعتماداً كاملاً على آخرين".

وبعد إعادة انتخابها يوم الأحد 24 سبتمبر/أيلول 2017، يقول محللون وخبراء إن ميركل البراغماتية لن تتهرب من تحمّل مسؤولياتٍ جديدة. وبدلاً من ذلك، تريد استخدام مكانتها لوضع الاتحاد الأوروبي على مسار أكثر استقراراً وقابليةً للتطبيق؛ مما يجعلها هي وألمانيا قوة أكبر، وربما أكثر عقلانيةً، في عالمٍ يعج بالصراعات على نحوٍ متزايد.

ولكن أولى الصعوبات التي ستواجهها تتمثل في تكوين ائتلافٍ حاكمٍ جديد، في ظل انضمام الحزب الاشتراكي الديمقراطي للمعارضة، وقد يستغرق ذلك أسابيع. ومع انخفاض الدعم الذي يحظى به الحزبان الرئيسيان، وحصول حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف على 13% من إجمالي الأصوات- ستحتاج ميركل إلى توليف حكومةٍ من عناصر متنافرة، تضم الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر اللذين نادراً ما يتفقان.

ويقول إيفان فيجفودا، مدير مشروع أوروبا في معهد العلوم الإنسانية بالعاصمة النمساوية فيينا، متحدثاً عن ميركل: "إنها ركيزة الاستقرار واليقين في عالمٍ يبحر ببحارٍ مجهولة. لقد دُفعت ميركل على مضض إلى دور المدافع الأكثر صراحة في الغرب عن النظام الديمقراطي الليبرالي، بينما تنخرط في الوقت نفسه بالسياسة الواقعية التي تسعى لحل التحديات العالمية المعلقة".

وقال كورنيليوس إن ذلك تغيرٌ كبير بالنسبة لشخصيةٍ "كانت دوماً تكره تمييزها أو الهوس بها".

لماذا تتعاطف مع اللاجئين؟

ولكن في مواجهة تحديات ترامب وبوتين وأردوغان، قال فولكر بيرثيز، مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في العاصمة الألمانية برلين، إن ميركل فهمت أن "ألمانيا قوةٌ مركزية في مركز كل شيء، ويجب عليها إما التعامل مع هؤلاء الرجال وإما إهمال واجبها تجاه شعبها".

وأضاف بيرثيز أنه في ظل نشأتها بألمانيا الشرقية، "تعلمت في سيرة حياتها أن الدفاع عن سيادة القانون والقيم الليبرالية يستحق ذلك، وهي مخلصة جداً في ذلك".

وكما قالت في إحدى المرات لرئيس الوزراء المجري اليميني، فيكتور أوربان، موبخةً موقفه القاسي ضد اللاجئين: "لقد عشت وراء سياجٍ فترة طويلة بما يكفي، وهذا شيء لا أتمنى أن أشهده مرةً أخرى".

ولكن، كل ما يشغل بالها حقاً هو مستقبل أوروبا والاتحاد الأوروبي، بكل مشكلاته من العملة، واختلال التوازنات التجارية، والديون السيادية، والإرهاب، والهجرة، والدفاع، والديموغرافيا، والبطالة بين الشباب، والنمو البطيء، الذي رغم ذلك يتحسن تدريجياً.

هكذا أنقذت الاتحاد الأوروبي

وكانت ميركل قد صعدت إلى دورٍ قيادي مع تحوُّل مركز الثقل في أوروبا، ولا سيما بعد الانهيار المالي العالمي في عام 2008. وقال كورنيليوس: "بعد عام 2012، يمكنك الشعور بذلك حقاً".

وصحيحٌ أن ميركل تأخرت، ولكنها اتخذت أخيراً الخيار المثير للجدل ضد نصيحة وزير المالي القوي في حكومتها، فولفغانغ شويبله، لإبقاء اليونان داخل نظام عملة اليورو المشتركة. وقال كورنيليوس: "منعت اليورو من الانهيار، وربما الاتحاد الأوروبي بأسره من التفكك".

الرد على بوتين

بالإضافة إلى ذلك، فقد قادت ميركل الردَّ الغربي على ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وكانت حصناً ضد الأحزاب اليمينية المتطرفة وموجة الشعبوية، وضغطت من أجل تقديم مساعدات إلى سوريا وشمال إفريقيا.

وكانت صريحةً في الدفاع عن اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، وألزمت ألمانيا الغنية بزيادة إنفاقها على الدفاع الاوروبى زيادةً كبيرة، وحثت على المشاركة الألمانية والأوروبية فى الجهود الدبلوماسية لإنهاء أزمة كوريا الشمالية.

وقالت دانييلا شوارزر، مديرة المجلس الألماني للعلاقات الخارجية في برلين: "الدور الجديد حقيقةٌ واقعة. وألمانيا في دورٍ قيادي بالفعل. ويتجلى هذا بصورةٍ أوضح داخل الاتحاد الأوروبي منذ أزمة منطقة اليورو. ولكنها تطبق الآن نهجاً معيارياً في السياسة الخارجية" يقوم على اتفاقات دولية وسيادة القانون.

وأضافت دانييلا: "وبينما تتخلى الولايات المتحدة تحت حكم ترامب عن هذا الدور، فإن ألمانيا لديها مصلحة كبيرة في الحفاظ على النظام الأوروبي والعالمي".

ولكن كي تفعل ذلك، ستحتاج ميركل إلى إصلاح المشكلات المتفاقمة الخاصة بعملة اليورو المشتركة، والمتمثلة في عدم وجود انضباطٍ مالي بين بعض الدول الأعضاء، والافتقار كذلك إلى الدعم المؤسسي الأوروبي، وستحتاج إلى فعل ذلك بالاشتراك مع الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون.

وستحتاج ميركل كذلك إلى المساعدة في تحديث الاتحاد الأوروبي وإصلاحه ليتمكن من العمل بكل تنوعه ومن دون بريطانيا، التي تساهم حالياً بنسبة 14% من ميزانية الاتحاد، وذلك بالإضافة إلى أن ميركل ملتزمةٌ بإنفاق مبلغٍ أكبر بكثير في الدفاع المشترك.

ولا يخالط ذلك ذرةً من الحماسة الدعائية، ولكنه شعورٌ عميق بالواجب، حسب تعبير "نيويوك تايمز".

وقال كورنيليوس: "إذا كانت تفكر في التراث (الذي ستخلفه وراءها)، فهذا من أجل إصلاح مشكلات منطقة اليورو أخيراً. وهي تريد المضي قدماً بأوروبا أكثر اختلافاً".

الاستبداد داخل الاتحاد الأوروبي

وتقول "نيويورك تايمز": "إنه لا شك في أنه يجب على أوروبا إيجاد تسويةٍ أفضل مع ناشزين أكثر استبدادية مثل أوربان في المجر، وياروسلاف كاتشنيسكي زعيم بولندا الفعلي، اللذين يقدران قيمة عضويتهما في الاتحاد الأوروبي، ولكنهما لا يتشاركان قِيمه، ولا يريدان أن تضايقهما بيروقراطية بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي".

ويعلق كورنيليوس قائلاً: "يبدو كل ذلك مملاً، ولكنها تحب ذلك؛ إذ تحمل طيات اسمها الأوسط باللغة الألمانية معنى تحمّل الملل. ولكنه اسمٌ يبث طموحاً رغم كل ذلك، وحتى لو كانت تتحرك خطوةً بخطوة كما اعتادت دائماً. ولكن ذلك يناسب أوروبا؛ إذ لا يمكنك إحداث ثورةٍ في أوروبا. فهي تجلس وتنتظر وتترك الجميع يتحدثون، ثم تجد حلاً وسطاً. وهذا هو مكمن قوتها".

الهيمنة على الاتحاد الأوروبي

وبشكلٍ عام، يعترف زعماءٌ أوروبيون بأن ميركل، بفضل قوة ألمانيا وطول فترة ولايتها، هي صاحبة القول الفصل في بروكسل. وحتى في البيروقراطية الأوروبية، تحظى ألمانيا بسطوةٍ كبيرة، ومع وضع أوروبا كمصلحةٍ وطنية أساسية، يشجع مسؤولون كبار على تولي وظائف في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

وقالت دانييلا: "تمنح منقِذة الغرب (أي ميركل) ألمانيا الكثير جداً من الفخر، وتضع عبئاً كبيراً جداً على كاهلها في الوقت نفسه. ولا تزال ألمانيا تفكر في سياستها الخارجية بطريقة تغلب عليها الصبغة الأوروبية، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو مع بعض شركاء الاتحاد بطبيعة الحال".

وأضافت: "لا تريد ألمانيا تولي مقاليد القيادة وحدها، ولكنها (تقصد ميركل)، ستقف، حتى ولو ضد بعض الحلفاء، إذا رأت مبادئ النظام الدولي تتعرض لتقويض. ولهذا السبب كانت الانتخابات الفرنسية في غاية الأهمية، وكان تصويت بريكست مؤلماً جداً، ولذلك أيضاً، هناك صعوبة في موقف بولندا والمجر".

تأثير النازية

واتسمت الحملة الانتخابية الألمانية بالقناعة في بلدٍ مزدهر، وذلك مع إثارة نقاشاتٍ قليلة حول التحديات الدولية المقبلة.

ولكن دور ميركل العالمي قد يتزايد فقط في السنوات القليلة المقبلة، بينما ترى ألمانيا نفسها على نحوٍ متزايد دولةً "طبيعية"، مقيَّدة بماضيها النازي ولكنها غير مصابة بالشلل بسببه.

وقالت دانييلا إنه في ألمانيا "ترى تأثير التاريخ، والمتمثل في الحذر والرغبة في تجنُّب العزلة". وأضافت أنه مع ذلك "يتمثل الواقع الجديد في تحمُّل المزيد من المسؤوليات والعجز عن الاعتماد على بعض الحلفاء والكيانات مثل الاتحاد الأوروبي، كما كان يمكننا ذلك في العقد الماضي".

تحميل المزيد