مثلت نتائج الانتخابات البرلمانية في ألمانيا، التي عُقدت الأحد 24 سبتمبر/أيلول 2017، صدمة لدى اللاجئين والمهاجرين الذين خاطروا بأنفسهم من أجل الوصول إلى ألمانيا، للبدء في حياة جديدة من الصفر.
وعلى الرغم من فوز حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) بغالبية الأصوات، محققاً ما بين 32.5% و33.5%، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية إلا أن هذه النتيجة ليست مطمئنة للاجئين، الذين يرون في ميركل "أمهم العطوف"، وهي التي فتحت حدود ألمانيا في وجوههم عام 2015، وبداية 2016، حتى تجاوز عدد اللاجئين مليون شخص، عدد كبير منهم من العرب وعلى رأسهم السوريون.
وهذا الانتصار الجديد لميركل يحمل طعم الهزيمة في ذات الوقت، فقد خسرت أصواتاً كثيرة، وتُعتبر النتيجة الحالية الأدنى تاريخياً.
لكن ما صدم اللاجئين أكثر من ذلك هو وصول حزب "البديل من أجل ألمانيا" للمرة الأولى إلى البرلمان الألماني منذ 70 عاماً، بعد فوزه، اليوم الأحد، بنتيجة 13 من الأصوات، وهي نسبة كافية لتكون له مقاعد في البرلمان ويؤثر في القرارات المتخذة في ألمانيا، وبينها تلك المتعلقة باللاجئين الذين يكرههم، واستخدمهم لتمهيد الطريق أمامه للفوز في الانتخابات.
كابوس للاجئين
تأسس حزب "البديل من أجل ألمانيا" في العام 2013 كردة فعل على الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعديد من دول الاتحاد الأوروبي، ويتبنى الحزب رؤية متشددة لعلاقة ألمانيا مع بقية دول الاتحاد، فهو يعارض تعامل دول الاتحاد بالعملة الموحدة (اليورو)، ويرفض حزمة الإنقاذ التي أعدها الاتحاد لمساعدة الدول الأعضاء، التي تعاني من أزمة الديون المتراكمة، إضافة إلى مطالبتهم بحلّ منطقة اليورو.
ومثلت أزمة اللاجئين التي شهدتها ألمانيا في العام 2015 نقطة تحول في تاريخ الحزب، فبقدر ما أزعجته موجات اللاجئين التي دخلت المدن الألمانية، إلا أنها حققت له حلمه في ذات الوقت.
ففي النصف الثاني من العام 2015، تفاقمت أزمة اللاجئين بشكل أوسع وقررت الحكومة الألمانية، في سبتمبر/أيلول 2015، فتح أبوابها في وجه اللاجئين، الأمر الذي دفع بحزب "البديل من أجل ألمانيا" إلى تصعيد لهجته المتطرفة بدرجة أكبر.
واستفاد الحزب كثيراً من تفاقم الأزمة فاستعاد الأصوات التي خسرها نتيجة انشقاقات حلت بصفوفه، ورفع نسبته من أصوات الناخبين في المجالس الفيدرالية، التي جرت في مارس/آذار 2016، عبر لعبه على وتر التخويف من اللاجئين والمهاجرين، واتخاذهم أداةً دعائية أساسية له لكسب قلوب الألمان ثم أصواتهم في الانتخابات.
ونتيجة لذلك كسب الحزب أصوات المعارضين للأحزاب المشاركة في الحكومة الفيدرالية، إضافة إلى مناصري حركة "بيغيدا" المتطرفة والمعادية للاجئين والإسلام التي تشوّه حقيقته باستمرار.
"عليهم الرحيل جميعاً"
يرفع حزب "البديل من أجل ألمانيا" هذا الشعار عندما يتحدث عن اللاجئين الموجودين في ألمانيا، ويدعو الحزب إلى "تنظيف" ألمانيا منهم، حتى الذين حصلوا على طلبات اللجوء القانونية، بحسب ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في وقت سابق. لا سيما أن بينهم مسلمين في غالبيتهم لا ينسجمون مع الثقافة الألمانية، وفق ما يعتقد الحزب اليميني المتطرف.
وكانت أنكا فيلمز، إحدى المُرشَّحات عن حزب البديل من أجل ألمانيا في درسدن قد قالت: "لا أعتقد أنَّ الناس من الدول الإسلامية مستعدون للاندماج والمساهمة في المجتمع هنا". وكثيراً ما يستخدم الحزب خطاباتٍ لاذعة لمهاجمة المهاجرين وأبنائهم.
كما يرفض حزب "البديل من أجل ألمانيا" أي شكل من أشكال لم الشمل بالنسبة للاجئين، ويريد فقط "السماح بالهجرة المؤهلة حسب الحاجة". وبالإضافة إلى ذلك، يطالب الحزب بنسبة ثابتة لترحيل اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، ويقول إنه من الضروري "تقليص نسبة الهجرة بحوالي 200 ألف شخص سنوياً، على مدى عدة سنوات".
ويدعو أيضاً إلى أنه في حال رفضت بلدان المنشأ استقبال مواطنيها، فيجب أن تُمَارَس عليها ضغوطاتٌ عبر وقف المساعدات التنموية، على سبيل المثال، بحسب ما ذكره موقع "DW" الألماني.
ويشير الموقع أيضاً إلى أن الحزب يعتبر في برنامجه أن الإسلام "لا ينتمي إلى ألمانيا". ويطالب بمنع ارتداء الحجاب في الخدمة العامة. ويقول أيضاً إنه يجب منع الحجاب في المؤسسات التعليمية وحظر النقاب كلياً في الأماكن العامة. وعلاوة على ذلك يطالب الحزب بمنع المآذن وصوت الأذان، بالإضافة إلى منع تدريس الإسلام في المؤسسات الحكومية.
وحاول قياديو الحزب مراراً شيطنة اللاجئين والمهاجرين، إذ طرحت أليس فيدل شريكة رئيس الحزب ألكسندر غاولاند إحصاءات عن ارتفاع معدل جرائم العنف بين المهاجرين المسلمين وطالبي اللجوء السياسي في ألمانيا، وأشارت إلى أن وجود عدد كبير من المسلمين يؤدي إلى "تآكل دولة القانون والنظام"، وفقاً لما ذكرته "بي بي سي".
ومن بين أبرز ما روَّجته أيضاً ضد اللاجئين قولها إن هنالك أماكن "صار الألمان يخشون السير فيها مثل ميدان كوتبوسر بحي كريزبرغ الذي يكثر به أبناء الجالية التركية". ولكن الواقع يرد على فيدل بحسب DW، حيث إن هذا المكان مزدحم بالمتاجر والحانات، وتراجعت فيه الجريمة في عام 2017.
وقبل 6 أيام من بدء الانتخابات التشريعية التي انتهت اليوم، قال رئيس الحزب غاولاند إن "حزبه يقترح مجموعة من التغييرات تشمل حظر ارتداء النقاب، وحظر ارتداء الحجاب للموظفات في المصالح الحكومية، بالإضافة إلى حظر بناء المآذن ورفع الأذان، بالإضافة إلى تسجيل المساجد بصورة إلزامية".
ماذا بعد نتائج الانتخابات؟
يخشى اللاجئون من أن تؤدي النتائج الحالية للانتخابات إلى آثار كارثية عليهم، فوضع المستشارة الألمانية ميركل ليس قوياً كفاية لحمايتهم، لا سيما أن الحزب الاشتراكي الذي دخل في حكومة ائتلافية مع ميركل عام 2013، والقريب منها فيما يتعلق بسياسات اللجوء، أعلن اليوم الأحد عقب تراجعه في الانتخابات أنه لن ينضم إليها ثانية في الحكومة الائتلافية الجديدة، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
ولذلك لن تكون مهمة ميركل سهلة في تشكيل ائتلاف حكومي جديد، وقد تلجأ إلى ائتلاف آخر يضم الحزب الليبرالي والخضر. إلا أن الخلافات بين الليبراليين والخضر حول مستقبل الديزل، أو الهجرة لن تسهل الأمور نحو تشكيل هذا الائتلاف.
وسيؤثر ذلك بالطبع على السياسات التي ستتخذها ألمانيا حول اللاجئين، خصوصاً مع وجود معارضين للمهاجرين والمسلمين في البرلمان.
وقبل النتائج الحالية للانتخابات، يعاني آلاف اللاجئين في ألمانيا من تأخر المضي بإجراءات لم شمل عائلاتهم، وسط ضغوط تتعرض لها الحكومة للحد من الميزات المقدمة للاجئين.
وكان وزير الداخلية الألماني توماس دي مزيير، طالب في 9 سبتمبر/أيلول 2017، بتقليص الامتيازات التي يحصل عليها اللاجئون في بلاده، واصفاً إياها بـ "المرتفعة".
وفي تصريحات لصحيفة "راينشه بوست" قال دي مزيير، إن الامتيازات التي تقدمها بلاده للاجئين "مرتفعة جداً إذا ما قورنت بتلك التي تقدمها باقي دول الاتحاد الأوروبي".
ولم يذكر دي مزيير بشكل مفصل الامتيازات التي تمنحها برلين للاجئين، لكن تقارير صحفية ذكرت خلال الفترة الماضية، أن كل شخص يحصل على حق اللجوء، يحصل بالتالي على إعانة مالية شهرية (غير معروفة على وجه التحديد)، فضلاً عن تكلفة الحصول على مسكن، وتأمين طبي.
ومنذ 2015، دخل الأراضي الألمانية نحو مليون مهاجر معظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان، بحسب تقديرات حكومية. ومن بين طلبات اللجوء التي قدمها هؤلاء، حصل 20% على حق اللجوء، و15% على حماية ثانوية (إقامة مؤقتة لا تكفل لصاحبها حق جلب عائلته)، في حين تم رفض 36% من الطلبات، وأجبر 5% على الرحيل من البلاد، أما باقي الطلبات فما زالت قيد الفحص.