إلى ولدي

دعني أُخبركَ يا ولدي الآن أنني أكبر معك، إنك كنت -وما زلت- منحة من ربي ورسالته لي لأرى أجزاء في نفسي ما كنت سأراها لولا وجودك.. دعني أخبرك أن قدومك إلى الدنيا غيّر طريقي تماماً.. دعني أخبرك أنني أختبر كل يوم بوجودك مشاعر نبيلة وعميقة للغاية، أختبر حباً خالصاً منك يبدو في طيات كلامك، وفي قلقك عليّ من مرض، وفي لمعان عينيك عند قدومي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/24 الساعة 03:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/24 الساعة 03:37 بتوقيت غرينتش

إليك يا ولدي..
أتممتَ منذ أيام أعواماً سبعة.. لا أدري كيف مرت السنون بي وبك سريعةً هكذا، فأنا أتذكر يوم مولدك وكأنه الأمس، أتذكر آلام الولادة، وذهابي أنا ووالدك للمستشفى، دموعهُ وهو يحملك صغيراً ليؤذن في أُذنك وأنت تصرخ ثم تتوقف مستجيباً لسماع كلمات الأذان، أتذكر عودتنا بك إلى البيت وبكاءك الشديد في أول ليلة تقضيها معي، أتذكر تشّبثك الدائِم بي، حيرتي وأنا أنظر إليك وأفكر ماذا عليّ أن أفعل مع هذا الكائن الصغير؟ كيف أتواصل معه؟ وهل حقاً صرتُ أُماً؟

دعني أُخبركَ يا ولدي الآن أنني أكبر معك، إنك كنت -وما زلت- منحة من ربي ورسالته لي لأرى أجزاء في نفسي ما كنت سأراها لولا وجودك.. دعني أخبرك أن قدومك إلى الدنيا غيّر طريقي تماماً.. دعني أخبرك أنني أختبر كل يوم بوجودك مشاعر نبيلة وعميقة للغاية، أختبر حباً خالصاً منك يبدو في طيات كلامك، وفي قلقك عليّ من مرض، وفي لمعان عينيك عند قدومي.

أشعر بمنتهى السعادة بهذا الحب النقي الكبير، أشعر بسعادة بالغة وأنت تستطيع محاورتي الآن حواراً منطقياً طويلاً لإقناعي بفكرة ما، كذلك الحوار الذي أجريته معي يوماً عن أهمية وجود الأطفال في الحياة، وأنهم سر للسعادة ولولاهم لصرنا نحن الكبار في (زهق أوي) كما عبّرت يومها، وجلست تعدد أسباباً كثيرة، يومها شعرت فجأة بنضجك الذي يتحسس العمر كي ينمو.

دعني أخبرك سراً أنني أتمنى لك أُمنياتٍ كثيرة عديدة؛ أتمنى صلاحك وقربك من الله، أتمنى قربك من نفسك لترى كل ما فيها وتحبها كما هي، أتمنى سعادتك وأتمنى لك شهادةً في سبيل الله؛ كي تضمن الجنة، وأتمنى وأتمنى أمنيات كثيرة لك، لكني سأحتفظ بها جميعاً ولن أخبرك أياً منها.. سأترك نفسي تراك تنمو وتكبر، وأستمتع بتفاصيل الرحلة فبداخلها السعادة الخالصة.. لن أشغل بالي بأمنياتي لك، بل سأسمح لنفسي أن ترى وتستمتع بما تراه.

يا ولدي.. أعلم أنه لو بيدي لحميتك من كل شرور الكون وآلامه وأذاه، لو بيدي لأردت لك وطناً غير هذا، وأرضاً غير تلك، لو أستطيع لمسحت كل ذكرياتك المحفورة في هذا الوطن، صورك وأنت ابن الأربعة أشهر محمولاً على كتفي أجوب بك شوارع الإسكندرية جيئةً وذهاباً نهتف (حرية).. لو بيدي لمحوت من ذاكرتك رائحة الغاز وصوت الصراخ والفزع ونحن نطارد في مظاهرة سلمية قررنا نهتف فيها (حرية)، لو بيدي لمنعت عنك ألماً اختبره قلبك الصغير في فقد أبيه مغيباً خلف أسوار السجون عامين.

هل تعرف -يا ولدي- أنه لم يكن يبكيني شيء في تلك المحنة أكثر من نظرتك تبحث عنه وسط الجموع.. لو بيدي يا صغيري لوضعتك في لؤلؤة واحتفظت بها في قلبي لأحميك من كل ألم.

لكنه ليس بيدي يا صغيري الكبير.. وتلك هي لعبة الحياة التي أريدك أن تنجح فيها.. لعبة الحياة تقول: إن لكل نعمة استحقاقاً يجب علينا دفعه، وإن النعم الخالصة في الجنه فقط… لعبة الحياة تقول إن هناك ألماً يجب علينا خوضه حتى تكبر نفوسنا وتقوى وتنضج ونستطيع استشعار كل سعادة صغيرة، لعبة الحياة تقول إنه يجب أن توجد معانٍ متضادة حتى نشعر ونتذوق فالفرح لا نتذوقه لو لم نحزن، والونس لا نستشعره لو لم نفقد.

أعدك -يا ولدي- أنني سأكون خلفك وبجانبك مساندةً وداعمة لا مسيطرة عليك، أو حامية لك من كل ألم.

اكتب وعدي هذا حتى أرجع إليه مرات ومرات كلما وجدت أمومتي تبالغ في حمايتك.
أعدك أن أتركك تكبر وتنضج وتنمو وتحاول وتنجح وتخفق.. أعدك أنني سأتركك تكون نفسك وفقط.

أعدك أنني سأجتهد أن أوصل لك أن الله هو ناظرك وشاهدك، أن أوصل لك أن الأمان مع الله ولله وبه وفقط، أنني لست أمانك ولا ضمانك ولا حمايتك هو الله وفقط… أعدك أن أوصل لك أنه هو مَن سيحاسبك فلا تخضع لمخلوق ولا تخشَ من كلام بشر.

يا ولدي.. أحبك بكل تفاصيلك حباً غير مشروط بأداء أو توقع أو سلوك منك، أحبك يا بني كما خلقك الله بفطرتك.. أعدك أنني سأجتهد ألا تحيد بُوصلتي ولا تتبدل.

كل عام يا صغيري وأنت حر الإرادة.. كل عام يا صغيري وأنت شجاع مثابر متحدٍّ مُصرّ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد