في الحرب، تفقد عبارة "العالم قرية واحدة" دقتها، وتشعر بأنك تعيش في كوكب معزول عن كوكب الأرض. 7 ساعات من الطيران كان يقضيها المسافر من اليمن إلى ماليزيا، أما اليوم فتأخذ 4 أيام وانتظاراً لأسابيع!
على سبيل المثال، عليك أن تسافر يومين من تعز (جنوب غربي اليمن) إلى مطار سيئون أو يوماً إلى مطار عدن، إن حالفك الحظ. وهما المطاران الوحيدان تحت الخدمة.
وحسب الرحلات المتوافرة يأتي الحجز، الذي يكون مسبقاً قبل أسابيع أو شهر من موعد المغادرة.
السودان هي البلد العربي الوحيد الذي لا يطلب فيزا من اليمنيين؛ لذلك يكون الحجز الأول لها -فقط- كمحطة عبور. ثم من السودان إلى الواجهة النهائية كماليزيا، عبر طيران "القطرية" في رحلة طويلة.
يصنف اليمن كبلد خطر بسبب الحرب والانفلات الأمني. كثير من شركات الطيران العالمية ترفض العمل في اليمن؛ كنتيجة طبيعية للمخاطر المرتفعة في قطاع شديد الحساسية ومرتفع التأمين في حالة السلم، فما بالك بمناطق الحروب. لا توجد شركة عالمية يمكن أن تغامر، كما أن التحالف لن يعطيها ترخيصاً.
تبقت لليمنيين شركتان؛ شركة الخطوط الجوية اليمنية، الناقل الجوي الوطني، وشركة السعيدة، وهي شركة طيران خاصة. للشركتين 3 وجهات خارجية -فقط؛ هي الخرطوم والقاهرة وعمّان.
أسعار التذاكر مضاعَفة؛ بسبب الاحتكار وزيادة الطلب على التذاكر مقابل محدودية العرض. لم يتبقَّ لـ"اليمنية" إلا طائرتان؛ فكثير منها تعرضت للتدمير أو الخروج عن الخدمة نتيجة الإهمال أو تمت سرقتها وتهريبها إلى دول إفريقية وقت الانقلاب في صنعاء. أما "السعيدة"، فتملك عدداً محدوداً من الطائرات المتوسطة.
مشكلة أخرى تواجه ما تبقى من قطاع الطيران المدني، وهي أنه قبل كل رحلة خارجية، خروج أو عودة، يجب الحصول على تصريح أمني من التحالف العربي. أحياناً، يرفض التحالف إعطاء تصريحات وتضطر الشركتان إلى إلغاء الرحلات المجدولة.
يفعل التحالف ذلك دون مبررات منطقية ودون حس بالمسؤولية أو استشعار لما ينتجه من معاناة للمواطنين، فالرحلات تنطلق وتعود من وإلى المناطق المسيطَر عليها من قِبل قوات الشرعية المدعومة من التحالف، وسماء اليمن كاملة تحت سيطرة تامة لقواته الجوية!
هذا الأمر يعرقل آلاف المغادرين أو العائدين، حيث تكون الرحلات ممتلئة لأسابيع قادمة. المغادرون يضطرون منكسرين إلى العودة لمنازلهم، أما العائدون فيُشرَّدون في المطارات الخارجية، حتى إشعار آخر.
كثير من المسافرين مرضى يبحثون عن علاج في الخارج؛ بسبب تردي الخدمة الصحية بالداخل.. ولنتخيل المعاناة المضاعفة لهم في مثل هذه الرحلة الطويلة والمكلفة والمعرضة للإيقاف.
أما الطلاب المبتعثون، فالغالبية لم يعودوا إلى بلادهم منذ سنوات؛ بسبب الخوف من عدم القدرة على الرجوع مجدداً، وكذلك بسبب ارتفاع أسعار التذاكر، خاصة أنهم يعانون تأخراً مستمراً في دفع مستحقاتهم المالية.
لا ننسى أن دول التحالف العربي ترفض إعطاء تصاريح عبور لليمنيين للسفر إلى الخارج من على أراضيها. فهي شريكة في المعاناة فقط، أما الحلول فلا تملك أي رؤية لها.
يعيش اليمنيون خارج الزمان والمكان. يشكّون في أنهم في زمن العولمة والسفر إلى الفضاء، فقد عزَّ عليهم السفر في كوكب الأرض وحُرموا من حرية التنقل المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كحق لا ينفصل عن حق السكن والاعتقاد والتعبير والحصول على التعليم والرعاية الصحية.
تتعرقل مصالح آلاف المواطنين اليمنيين يومياً بسبب عدم القدرة على السفر بحرية ويسر. طلاب ورجال أعمال وموظفون، مرضى وأُسر لا تستطيع لمَّ شملها. والأسوأ ألا أفق للانفراج ولا جدية في حل هذه المشكلة الإنسانية من قِبل الشرعية أو التحالف العربي أو المجتمع الدولي أو منظمة الأمم المتحدة.
أما قوات الانقلاب، فهي متجردة من أي مسؤولية سياسية أو أخلاقية.. فمتى نعود إلى كوكب الأرض؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.