جميلة ذات الاثني عشر عاماً تقطن منطقة شعبية في قطاع غزة، غير متعلمة، وتعتبر واحدة من الطفلات المريضات منذ الولاة، تعامل كأنها ناقصة ليست كأخواتها الأخريات، تموت ألف مرة يومياً، تتعرض للضرب دائماً بأنحاء جسدها المختلفة، عائلتها لا تأبه بألمها أو حتى شكواها من أي مرض، يعتمد عليها وتوكل إليها الأعمال المنزلية المختلفة وهي في أفضل حالاتها الصحية، نظرا لأخواتها اللواتي يذهبن للمدرسة وهي لا تعرف حتى كتابة اسمها.
حُرمت من التعليم منذ البداية؛ نظراً لحالتها الصحية الصعبة، في حالة عدم توافر العلاج المناسب لها.
زيادة الكهرباء في جسدها والتشنج الذي تعاني منه دائماً لم يشفعان لها برحمتها والكف عن إيذائها من قِبل عائلتها.
التقيت بجميلة بإحدى العيادات الصحية، جميلة الطويلة التي تكتسب من الجمال لا يفسره عقل، للوهلة الأولى تعتقد أنها أكبر سناً من عمرها الحقيقي، جمالها يؤهلها ليتقدم لخطبتها العديد من الشبان.
تعاني جميلة كثيراً من نقص العلاج الذي تحتاجه دائماً، مما يجعلها تبحث عن آلية لكسب المال بالطريقة المتاحة، كمثال مساومة والدها بالعمل داخل المنزل كثيراً وتأمين احتياجات أخواتها من أجل الحصول على عشرة شواقل، أو الاشتراك في برامج الدعم النفسي الذي يوفر بعض المستلزمات الخاصة البسيطة كالمواصلات والوجبات الخفيفة من الطعام.
والدها يضربها باستمرار بالعصا الخشبية على ظهرها في حال رفضت له طلباً، أو عارضته في أي أمر يوكل إليها، والدها لا يراعي حالتها العقلية وقدراتها البسيطة التي تجعلها تستوعب الأمور بعد شرحها لها عدة مرات حتى تفهمها، فلا نلوم عليه فهو أيضاً غير متعلم بالقدر الكافي الذي يؤهله للتعامل مع ابنته المريضة.
جميلة التي تفكر بينها وبين نفسها ببساطة شخصيتها وطفولتها أنها وجدت بالحياة لخدمة أخواتها وعائلتها ليس إلا، محرومة من حقوقها البسيطة، كالكسوة لأحد الأعياد مما يشكل عندها مشكلة نفسية وتضعها في مقارنة بينها وبين أخواتها الأخريات، وتسأل نفسها لماذا لا تتم كسوتها بالملابس كأخواتها؟ الرعاية الصحة والتغذية التي يحصل عليها الآخرون هي لا تستحقها؟
أعتقد أن المسألة معقدة بالنسبة لها بالإجابة على تلك الأسئلة!
والدتها التي تقوم بتحفيزها أحياناً من أجل القيام بالأعمال المنزلية المختلفة، وأخذ مكانتها في رعاية أخواتها، خاصة عندما تقوم والدتها إلى بيت عائلتها بزيارة وتأخذ حيزاً واسعاً من الوقت، فهي لا تفكر كثيراً في جعل جميلة ربة المنزل لفترات متفرقة، وتفرغ مسؤوليتها إليها بحجة أنها ناجحة في كافة الأعمال المنزلية والرعاية التي تقدمها لأفراد عائلتها.
ومن ناحية أخرى تقوم والدتها بمساعدتها لجلب الأدوية الناقصة لها من خلال التوجه لمؤسسات المجتمع المدني من أجل تأمينه، نظراً للظروف الاقتصادية التي تعاني منها العائلة، فالدخل الاقتصادي للعائلة بأكملها سيئ جداً، مما يجعل الحصول على علاجها بشكل مستمر يشكل أزمة حقيقية في حالة مرضها وتأزّم حالتها الصحية، فهي تحتاج إلى حبتين يومياً من علاجها لتناولهما من أجل استقرار حالتها دائماً.
لم تكن جميلة التي تعاني من المرض في عائلتها، ولكن تشاركها فيه شقيقتها هديل به، فهي تعاني من زيادة الكهرباء في جسدها وتضخم دائم للغدد، وتتشارك الشقيقتان في نفس المصير الذي يقع على عاتقهما من قِبل عائلتهما، وتهميشهما في كافة مجالات الحياة إلا في الأعمال المنزلية ورعاية الآخرين من المقربين.