في الشوق كل الأمور مباحة، كل الحوادث تصبح في الجانب الثالث من الروح، حيث يختفي الجميع ويختلف حول الكثير من الظروف، ومع ذلك يسري الحب بين الإنسان والإنسانة عبر غطاء الإنسانية برسمة جميلة للغاية، فلو كان للحياة حبيب لكان الحب، المحبة هي أعلى مراتب الإيمان كما ورد عند الشيخ الأكبر، خاصة ما بُني على النزعة الحية لزوايا الحياة كافة بكل ما تحويها من قضايا وما يعقد حولها من طرائف ومتغيرات.
سواء كان الفرد عاقلاً أو مجنوناً، فهما سواسية أمام طاحونة المحبة، الكل له القدرة الخلّاقة التي تجعله محباً. وبغض النظر عن موضوع المحبة وهدفها، فإن ضجيجها هو من الأدلة الباقية على الوجود، لا يمكن أن نتصور علاقات إنسانية بلا محبة ومودة، ولا يمكن أن نتخيل مجتمعاً بلا قيمة الحب والمحبة، فالحب هو أساس المجتمع.
يعتقد البعض أن السياسيين أبعد الناس عن المحبة؛ بسبب تصرفاتهم التي تخضع لسيف العقل بدل خناجر المحبة، نعم! للمحبة سيف أيضاً كما ورد عند جبران خليل جبران، لكنهم في الواقع ليسوا كذلك، ولنا فيما حدث بين ملكة إسبانيا وملك كاتالونيا أوضح صور اختلاط السياسة بالحب.
ويرى فريق آخر أن الحب بعيد عن رجال الدين، مستنداً إلى ما حدث من منع زواج الكاثوليك للقساوسة، ولكن ردنا عليهم هو بما أدخل التاريخ القديس فلانتين، وما ورد في بيان الاحتجاج الذي علّقه القديس مارتن لوثر على مدخل كنيسته؛ المحبة حاضرة في كل الكتب الدينية، بكل ثقافات الأرض، في الاتجاهات الفكرية والفلسفات كافة، لمناحي الحياة كافة، في كل زوايا التاريخ وحكايات البطولات.
في الشعر الجاهلي، أشمّ القصص العشقية من عنترة بن شداد وعبلة، امرؤ القيس وعنيزة، وجميل بثينة… وغيرهم. في الحقبة الإسلامية، النبي محمد أحب السيدة عائشة وجهر بذلك علناً؛ في قصة سيدنا إبراهيم هاجر كانت الأحب إليه؛ وفي بداية الخلق، آدم قد أحب حواء بشكل لافت، يظهر هذا في ارتكابه خطيئته تلك التي أنزلته إلى الأرض، ترك الجنة بسبب عمى الحب يا عزيزي القارئ، وسبب نزول البشرية إلى الأرض هو الحب.
في الأفلام والروايات عبر الحقب المختلفة، هناك وجود الركن المقدس الذي يشغله الحب، في إفريقيا قصص عديدة عن أساطير المحبة، بين الملوك وخدمهم، بين الأسود والحيوانات؛ في أوروبا القديمة الأمر نفسه، حتى تسمية أوروبا كانت بسبب قصة حب بين "أوروبا" الفينيقية وإله البحار، كما أن العبث خرج من الحب، حبّ "زيوس" الأعمى لـ"هيرا".
هناك قصص جميلة للحب؛ عندما نجد في كتب التاريخ الفرنسية قصة الإمبراطور نابليون وسيدة فرنسا الأولى جوزفين، بين الملكة البريطانية وزوجها الضابط المغمور في البحرية الملكية، بين هيام بطرس روسيا بملكة النمسا قديماً.
الحب هو فطرة الإنسان، ليس اختياراً على الإطلاق، ومن يحاول الاختيار في الحب فهو لن يختار سوى تضييع مشاعره ووضعها في جبة قميصه الخلفي بكل مشقة.
نتوجه إلى الشرق ونجد قصصاً جميلة من بلاد الساموراي عن محاربين عشقوا الحرب والحب معاً، ونبحث في دفاتر حكماء الهند والصين لنجد حكايات تمتزج بالخيال عن أمراء وملوك قايضوا أعمارهم وعروشهم بمحبتهم لعشيقاتهم.
إنه أمر جميل للغاية أن يحب الإنسان، أن يقف في خضم ذاك السيل الهادر الغزير، ثم يستسلم نزولاً عند رغبة تجتاحه من عمقه دون أن يفهم ما معناها.
عودوا إلى قيس ليلى وتساءلوا عن سبب كل ذاك التحمّل، عودوا إلى قصة بناء "التاج محل" وتأمّلوا معنى التضحية من أجل الحب، عودوا إلى كل ما هو جميل يا قساة القلوب، حتى محرك البحث جوجل (Google) يسجل أن أكثر كلمة تتردد في عمليات بحثه هي: الحب (Love)، ومن لم يشفِه الحب من علل الحياة مات دون ذكرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.