إذا ما أصرَّت كوريا الشمالية على مواصلة تهديدها بإجراء تجربةٍ قنبلة هيدروجينية فوق سطح الأرض، فإنَّ ذلك سيُمثِّل خطوةً أكبر من أي شيءٍ آخر حاول الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون عمله، وسيطرح أيضاً مجموعةً من القرارات الصعبة أمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ لأنَّ محاولة إيقاف التجربة قد تكون بقدر الخطورة نفسه الناجِم عن السماح بإجرائها.
والجمعة 22 سبتمبر/أيلول 2017، نقلت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء عن وزير خارجية كوريا الشمالية، ري يونغ هو، أنه يعتقد أن بلاده قد تفكر في اختبار قنبلة هيدروجينية بالمحيط الهادئ وعلى نطاق لم يسبق له مثيل.
قالت يونهاب -نقلاً عن "ري"- إن كوريا الشمالية قد تبحث اختبار قنبلة هيدروجينية، لكن الوزير لا يعلم ما يفكر فيه كيم بالتحديد، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
ولهذه التجربة الكورية المحتملة حالة خاصة، فالتجارب الست السابقة كافة جرت تحت الأرض؛ الأمر الذي أدَّى إلى احتواء التسرُّب الإشعاعي، وفقاً لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، 22 سبتمبر/أيلول 2017.
وتشير الصحيفة إلى أن إجراء تجربة فوق سطح الأرض، وربما إطلاق رأسٍ حربي مُركَّب على صاروخٍ كوري شمالي، أو من إحدى السفن أو البوارج، فوق المحيط الهادئ من شأنه أن يضع السكان تحت رحمة درجة الدقة التي تُجري بها كوريا الشمالية التجربة، وكذلك الرياح التي ستنقل السحابة الإشعاعية الناجمة عنها.
خشية من كوارث
وهذا الخوف من وقوع كارثةٍ بيئية أو إنسانية، هو بالضبط ما يبدو أنَّ كيم حريصٌ على تعزيزه خلال بحثه عن سبلٍ للرد على الولايات المتحدة، ويقول خبراء عايشوا حالة عدم اليقين المُتعلِّقة بالتجارب النووية إنَّ هناك مخاطر مُحدِقة من كل مكان، وهذه المخاطر مُحدِقة بكيم تماماً كخصومه.
سيغفريد هيكر المدير السابق لمختبر لوس ألاموس الوطني وخبير الأسلحة النووية الذي سمح له الكوريون الشماليون برؤية محطات تخصيب اليورانيوم خاصتهم قبل سنوات، قال إنه "ليس من الواضح إذا ما كان لدى كوريا الشمالية القدرة (على إجراء مثل تلك التجربة) بعد".
وأشار هيكر الذي يعمل الآن أستاذاً في جامعة ستانفورد: "بالإضافة إلى ذلك، تمثل التجربة الصاروخية لصاروخٍ مُحمَّل بقنبلةٍ هيدروجينية مخاطر هائلة".
ونوه إلى أنه عندما أجرت الولايات المتحدة تجارب كتلك في أول أيام الحرب الباردة، "انفجر أحد الصواريخ على منصة الإطلاق، وكان لا بد من تدمير صاروخٍ آخر بعد إطلاقه مباشرةً؛ الأمر الذي خلَّف تلوثاً إشعاعياً كبيراً".
ووفقاً لمسؤولي استخباراتٍ أميركيين حاليين وسابقين، درس الكوريون الشماليون أيضاً ذلك التاريخ. لكنَّ جاذبية إجراء تجربة فوق سطح الأرض واضحة؛ إذ سيولِّد ذلك شعوراً بالخوف لا يمكن لتفجيرٍ عميقٍ داخل أحد الأنفاق في كوريا الشمالية توليده.
فالتجارب التي تُجرَى تحت الأرض تُكشَف بمقياس ريختر، أمَّا التجارب التي تُجرَى فوق سطح الأرض، مثل تلك التجارب التي أجرتها الولايات المتحدة في منطقية حلقية بيكيني بجزر المارشال بدءاً من عام 1948، فتخلق سحابةً مخيفة فطرية الشكل.
وخلال الترقُّب الشديد لما إذا كانت بيوغ يانغ ستنفذ تهديداتها الجديدة، ضرب زلزال بقوة 3.4 درجة على مقياس ريختر كوريا الشمالية السبت 23 سبتمبر/ايلول 2017، وسط مخاوف من إمكانية أن يكون ناجماً عن تجربة نووية جديدة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأناضول التركية للأنباء.
وذكرت إدارة الزلازل الصينية (حكومية) أنها رصدت الزلزال على عُمق صفر كيلومتر، مضيفة أنه ربما يكون ناتجاً عن "تفجير". وبحسب الإدارة، وقع الزلزال نحو الساعة 08:30 توقيت غرينتش، فيما لم يرد إعلان على الفور من جانب كوريا الشمالية بهذا الصدد.
من جانبها، ذكرت وكالة الأرصاد الجوية الكورية الجنوبية أن تقديراتها تفيد بأن الزلزال ناتج عن "أسباب طبيعية".
الخطأ وارد
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن كبرى تلك التجارب جرت في عام ،9و54- كان اسمها الكودي هو "قلعة برافو"، وكانت أكبر بـ3 مرات تقريباً مما توقَّعه مصممو القنابل الأميركيون.
إذ وقعوا في خطأٍ حسابي بشأن قوة أحد أنواع الوقود النووي الموجود بالقنبلة، وتسبَّب الانفجار في نشر المواد المشعة بمختلف أرجاء العالم. وفي نهاية المطاف، ساهمت تجربة "قلعة برافو" في تعزيز الدعوة لفرض الحظر على التجارب النووية فوق سطح الأرض.
ولا يدري أحدٌ أي نوعٍ من التجارب يُفكِّر الكوريون الشماليون في إجرائه، وفقاً لما صرح به وزير خارجية كوريا الشمالية للصحفيين. وقال فيليب كويل، وهو عالِم نووي ورئيس سابق لقسم اختبار الأسلحة بالبنتاغون: "سوف تخاطر كوريا الشمالية مخاطرةً كبيرة، فاختبارات الصواريخ تفشل". قد يقع الرأس النووي ذلك على بلدٍ مجاور، أو لو انفجر الصاروخ على منصة الإطلاق، كما حدث من قبل، فقد يحدث انفجار نووي في كوريا الشمالية.
وسوف تكون مخاطر النقل هائلة، بما في ذلك احتمالية وقوع تفجيرٍ عرضي قبل وصول الجهاز النووي إلى المنطقة المستهدفة. وبينما تفشل أفضل الصواريخ العالمية تقريباً مرة كل 100 حادثة إطلاق، فإنَّ معدل فشل الصورايخ الكورية الشمالية أعلى بكثير.
إذ كان المعدل العام الماضي لأحد أنواع الصواريخ 7 مرات من بين كل 8 مرات. وربما يرجع ذلك، جزئياً، إلى أنَّه قد استُهدف من قِبل سلسلة من الهجمات السيبرانية التي أمر بها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. ومن ذلك الحين، توقفت كوريا الشمالية عن اختبار هذا النوع من الصواريخ، وأصبحت أكثر نجاحاً في اختبار أنواعٍ أخرى منها.
وحتى لو نجحت إحدى اختبارات صواريخ كوريا الشمالية في حمل رأسٍ نووي خلال الانطلاق، فإنَّ التحدي الأكبر سوف يتمثل في مرحلة عودته إلى داخل الغلاف الجوي. فالحرارة والضغط وقوى التباطؤ ضخمة للغاية.
استنكار دولي
وسيكون من الأسهل بمراحل لكوريا الشمالية أن تضع الرأس النووي في طائرةٍ أو قارب، لكنَّها لا تمتلك عدداً كبيراً من الطائرات أو القوارب الصالحة للمسافات البعيدة، وثمة احتمالية كبيرة أن تستطيع الولايات المتحدة أو حلفاؤها تتبُّعها حال مرورها.
هذا الأمر كذلك من شأنه أن يكسر أمراً محرماً؛ إذ لم تختبر أي دولة سلاحاً نووياً في الغلاف الجوي للكوكب منذ 37 عاماً. وبالنظر إلى ما صار معروفاً الآن عن آثار الإشعاع الناتج عن مثل هذه التجارب على الصحة الإنسانية والبيئة، فإنَّ هذا الأمر من شأنه أن يُكثِّف من الاستنكار الدولي الذي يواجهه كيم.
وبحسب تقدير مجموعة طبية معارضة للأسلحة النووية، فإنَّ 2.4 مليون شخص قد يموتون بالسرطان نتيجة النشاط الإشعاعي الناجم عن أكثر من 2000 اختبار نووي حدث بالفعل.
وتشير "نيويورك تايمز" إلى أنه بسبب مخاطر التجارب النووية التي أجرتها أميركا والصين، لا سيما بعد انفجار رأس حربي خلال التجربة الأميركية، تحفزت المفاوضات التي أدت في النهاية إلى توقيع اتفاقية حظر الاختبارات في الغلاف الجوي، أو الفضاء الخارجي، أو تحت الماء. وقد وُقِّعَت هذه الاتفاقية عام 1963 من قِبل الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، وبريطانيا.
كما تبنّت الأمم المتحدة توقيع اتفاقية أوسع عام 1996 لحظر جميع الاختبارات النووية، تحت اسم معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. وصدَّقت 166 دولة على هذه الاتفاقية، ورفضت التوقيع عليها الولايات المتحدة، والصين، وكوريا الشمالية، إلى جانب مصر، والهند، وإسرائيل، وإيران، وباكستان.
ووفقاً لصحيفة التايمز البريطانية، أصبح العالم أكثر وعياً بتأثيرات الإشعاع الناتج عن هذه الاختبارات، وذلك قبل توقيع الاتفاقية الشاملة عام 1996؛ إذ يؤدي الغبار الذري المنتشر في الجو إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان عالمياً. وقد تسبب هذا الغبار فيما يصل إلى 430 ألف حالة وفاة بالسرطان في العالم.
ولو فجَّرت كوريا الشمالية هذا الرأس الحربي في المحيط الهادئ، فسوف تضيف إلى مخاطر السرطان تلك. وإذا وقع الانفجار في منطقة غير مأهولة بالسكان، فربما لن تكون هناك وفيات مباشرة، لكنَّ ذلك لا يعني عدم وقوع هذه الوفيات في النهاية.