أطفال الشوارع بموريتانيا.. الطفولة الموءودة

على أرصفة الشوارع وبين السيارات المزدحمة، وفي أخطر مكان يقف ذلك الطفل الصغير يرتدي ثياباً باليةً، ويحمل بيده مسّاحة وزجاجة.. لا يبالي بالخطر ولا حتى بحرارة الشمس، إنه ينتظر الإشارة الحمراء التي تتوقف معها السيارة؛ لينظفها، فذلك ما لديه من دور في هذه الحياة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/21 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/21 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش

على أرصفة الشوارع وبين السيارات المزدحمة، وفي أخطر مكان يقف ذلك الطفل الصغير يرتدي ثياباً باليةً، ويحمل بيده مسّاحة وزجاجة.. لا يبالي بالخطر ولا حتى بحرارة الشمس، إنه ينتظر الإشارة الحمراء التي تتوقف معها السيارة؛ لينظفها، فذلك ما لديه من دور في هذه الحياة.

لا يتحدث لأحد؛ لأنه لم يعتَد أن يتحدث أحد عنه أو عن حاله.. ولماذا هو مختلف عن بقية الأعمال؟
لماذا سرقوا طفولته منه وحرموه منها؟

منعوه من الذهاب للمدرسة، وفرضوا عليه العمل ليكسبوا من طفولته وصغره.

هم يأخذون كل شيء منه، حتى ما يحصده من عمله اليومي، فهو يداوِم طوال اليوم على مسح السيارات وتنظيفها ليعود بالمحصول لمن أرسلوه.
إنها قصة تشغيل الأطفال في بلد عربي كموريتانيا.

ليس الطفل ماسح السيارات هو مَن شد انتباهي حين شاهدته وتحدثت إليه، بل هو مشهد يومي متكرر للعشرات من الأطفال الذين يتم تشغيلهم يومياً ويملأون الشوارع بين متسول فيما يطلق عليه بالعامية (ألمودات) وبين عامل مجبر على العمل وإلا ناله عقاب المتحكمين في مصير حياته.

فعلى الرغم من إقرار الحكومة الموريتانية في الرابع والعشرين من مارس/آذار الماضي قانوناً لحماية أطفال الشوارع ومعاقبة مَن يشغلون الأطفال لحسابهم الخاص، إلا أن الظاهرة زادت في الفترة الأخير.

حيث حذرت منظمات المجتمع المدني بموريتانيا من أن رُبع أطفال موريتانيا مهددون بالتشغيل، وأكدت منظمات المجتمع المدني أن عدد الأطفال الذين يتم تشغيلهم زاد بشكل مقلق، حيث كان حوالي 2250 سنة لـ2016 حسب رابطة معيلات الأسرة ليرتفع لما يقارب 5000 ألف طفل.

نحن نشغل أطفالنا لنستفيد منهم وليتعودوا على مواجهة الحياة.. أن يعمل خير من أن يذهب للدراسة ولا يجلب لنا أي نفع.. الفقر يجبرك على كل شيء ونحن لا أحد يرعانا.

هكذا ردّت علينا خديجة بنت محمد، ابنة الثلاثين، على سؤالنا وهي تجر أبناءها الثلاثة وتفرض عليهم العمل.

الباحثة في الشؤون الاجتماعية ليلى محمد الأمين تحدثت لنا عن أسباب انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال، وقالت: إن الظاهرة قد تقضي على أجيال بأكملها من الأطفال، وإن لها أسباباً متعددة من بينها:

– الفقر وعدم مراعاة الحكومة الموريتانية لتلك الأسر، مما يجعلها تضحي بأطفالها لتعيش الأسرة.
– عدم وجود معيل لتلك الأسرة بسبب التفكك الأسري.
– التعليم لا يحظى بتلك المكانة التي يحظى بها في بقية الدول العربية بسبب ارتفاع نسبة الأمية في موريتانيا.
– عدم وضع حلول شافية لظاهرة كوجود دور لرعاية الأطفال فهي قليلة جداً، ولا تتلقى دعما من الدولة.

كما أننا يجب أن نميز بين أطفال الشوارع وطريقة استخدامهم، فهناك الأيتام الذين لا أسر لديهم تعولهم، وهناك الفقراء جداً والمطحونون، وهناك شيوخ أيضاً يستخدمون تلاميذهم للتسول، ويعاقبونهم في حال لم يأتوا بالمال، وتلك ظاهرة موجودة بالفعل وقد هزت المجتمع قبل فترة.. حين أعدت منظمة دولية تقريراً سنة 2016، صنفت فيه موريتانيا ضمن الدول المتاجرة بالبشر، وأشارت في تقريرها إلى استخدام الأطفال كبضاعة لجني الأموال.

وتلك حياتنا التي اعتدنا عليها أنا ورفاقي نقف يومياً على ناصية هذا الشارع ونحمل كيساً لجمع الأموال.
هكذا أخبرنا مامدو ورفاقه بعدما طلبوا منا بعض المال.

لماذا لا تذهبوا للدراسة مثل بقية الأطفال؟
نحن نخشى بطش سيدنا إذا لم نأتِه بالمال.. ولديه سوط كبير ومؤلم لا نحب أن نجربه اليوم.

العمل عندنا هو مقابل العيش والمسكن.. إنه بمثابة المخيم ولكن حقيقته والقصص التي سمعناه عنه من الأطفال هو سجن يستغل الأطفال؛ ليحقق على حسابهم المال، وتحت شعار الرعاية والتكفل بالأيتام.

لتظل قصص الملائكة الجائعة بموريتانيا تؤرق كاهل الموريتانيين يومياً، ودون أن تجد الدولة حلاً شافياً سوى بعض من القوانين غير الفاعلة.

إنها حكايات من آلاف الحكايات تتحدث عن طفولة تتم سرقتها، وعن جيل بأسره قد يضيع.

ليبقى السؤال المتكرر: مَن ينقذ جيلاً من الأطفال من الضياع؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد