تباينت ردود الفعل في تونس، بعد إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن تأجيل موعد الانتخابات البلدية، التي كانت مقررة يوم 23 ديسمبر/كانون الأول القادم، إلى أجل غير معلوم، مما عزَّز المخاوف على مستقبل العملية الانتخابية، حيث عبَّرت أصواتٌ حقوقية وسياسية معارضة عن تعاظم مخاوفها على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، ومواعيده الانتخابية الكبرى، ومغبة العودة إلى مربع استبداد الحزب الحاكم.
بيان مشترك
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس قد عقدت، الإثنين 19 سبتمبر/أيلول، اجتماعاً مشتركاً مع رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس نواب الشعب وممثلين عن الأحزاب السياسية، لتعلن عن استحالة تنظيم الانتخابات البلدية في موعدها المقرر، يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2017، "وذلك لعدم إصدار الأمر الداعي للانتخاب من قبل السيد رئيس الجمهورية في الآجال المحددة لذلك، وهي 18 سبتمبر/أيلول 2017، كما نص على ذلك الفصل 101 (جديد) من القانون الانتخابي"، بحسب نص البيان.
كما حذَّرت الهيئة خلال المؤتمر الصحفي من مخاطر تعليق المسار الانتخابي، وما سيؤديه من تداخل بين موعد الانتخابات البلدية وباقي المواعيد الانتخابية الأخرى (المحلية والتشريعية والرئاسية القادمة)، والعبء المالي للنفقات غير المبرمجة سلفاً التي ستتحملها المجموعة الوطنية في إثر تأجيل الموعد الانتخابي المقرر، معلنة عن تاريخ 26 مارس/آذار 2018، كموعد جديد للانتخابات البلدية.
رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات المستقيل حديثاً شفيق صرصار عبر لـ"عربي بوست" عن مخاوفه من عملية تأجيل الانتخابات، معتبراً في ذلك مؤشراً سلبياً غير مطمئن على العملية الديمقراطية برمتها في تونس بعد الثورة.
وشدَّد على غياب رؤية واضحة لدى الحكومة والرئاسة في تحديد تاريخ محدد للانتخابات، مقراً بوجود أزمة قيادة المسار الانتخابي في البلاد، داعياً الهيئة المستقلة للانتخابات لتحمل مسؤوليتها السياسية والتاريخية، باعتبار السلطة العليا التي منحها لها الدستور.
صرصار اعتبر أن تأخير الانتخابات دون تقديم حجج حقيقية من الأطراف الفاعلة في العملية الانتخابية ينم عن وجود أطراف داخل الدولة، لا تريد ترسيخ عملية الانتقال الديمقراطي السلس والشفاف في شعبها، لأنه "ليس من مصلحتها ذلك"، وفق قوله.
وكانت مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوقية قد عبَّرت في بيان مشترك، أمس الإثنين، تحت عنوان: "تأجيل الانتخابات البلدية خطوة للوراء في مسار الانتقال الديمقراطي" عن استنكارها لتأجيل موعد الانتخابات البلدية، معتبرة في ذلك خطوة للوراء في مسار الانتقال الديمقراطي، وإرباكاً سيزيد في تردي وضع البلديات في تونس.
وأكدت كل من جمعية كلنا تونس ومنظمة البوصلة والجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد"، والجمعية التونسية للحوكمة المحلية أن الهيئة المستقلة للانتخابات هي الطرف الوحيد المخول بحكم الدستور لإعداد الرزنامة الانتخابية وضبط مواعيدها، بكل استقلالية عن الضغوطات السياسية.
ودعت هذه الجمعيات المدنية جميع الأطراف المعنية والمتداخلة في العملية الانتخابية إلى احترام الرزنامة الانتخابية المقترحة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وإلى احترام تاريخ 25 مارس/آذار 2018، كتاريخ يوم الاقتراع.
النائب عن الجبهة الشعبية -يسار معارض- عمار عمروسية، شدَّد على وجود نية مبيتة من حزب نداء تونس الحاكم، على تأجيل الانتخابات البلدية وعرقلة مسارها، مضيفاً لـ"عربي بوست": "حالة الارتباك التي يعيشها نداء تونس وإحساسه بعدم جاهزيته لخوض الانتخابات البلدية عبر قوائمه جعله يراوغ ويعطل مسار هذا الموعد الانتخابي".
عمروسية اعتبر في المقابل أن شروط الانتخابات النزيهة والشفافة غير متوفرة حالياً في تونس، من خلال عدم صدور مجلة الجماعات المحلية المنظمة للعملية الانتخابية، فضلاً عن عدم سد الشغور الحاصل في تركيبة هيئة لجنة الانتخابات -إثر استقالة رئيس الهيئة شفيق صرصار ونائبيه منذ أشهر- فضلاً عن عدم جاهزية المحكمة الدستورية. وتابع بالقول: "من الناحية الموضوعية التأجيل مبرر، لكن ما وراء تأجيله يبعث على القلق في ظل عدم تحديد موعد رسمي ونهائي حتى اللحظة".
النائب المعارض أبدى قلقه من وجود مخطط من حزب نداء تونس الحاكم، لتأجيل موعد الانتخابات إلى حين إجراء شعبي لتغيير نظام الحكم في تونس من برلماني إلى رئاسي، وهو ما عبَّر عنه مستشارو رئيس الجمهورية في تصريحات إعلامية.
على صعيد آخر، رفض النائب في البرلمان عن كتلة نداء تونس المنجي الحرباوي اتهامات أحزاب المعارضة لحزبه، وتحميله مسؤولية تأجيل الانتخابات البلدية وعرقلة مسارها، مؤكداً في تصريح لـ"عربي بوست"، أن حزبه كان جاهزاً للموعد الانتخابي الأول، المبرمج من الهيئة المستقلة للانتخابات، يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2017.
وشدَّد في ذات السياق على أن نداء تونس تفاعل مع دعوات هيئة الانتخابات، بتأجيل الاستحقاق الانتخابي إلى حين استكمال كل الظروف الملائمة، وتحديد يوم 25 مارس/آذار 2018، كموعد انتخابي جديد.
وحول غياب كتلة نداء تونس عن التصويت على سدِّ الشغورات المتعلقة بأعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات، نفى الحرباوي الأمر، ملقياً باللوم على الكتل البرلمانية المعارضة، متهماً إياها بتعمُّد الغياب وعرقلة اكتمال المسار الانتخابي. واصفاً إياها بـ"الحزبيات والدكاكين المعارضة الصغيرة"، التي تعمدت عرقلة موعد الانتخابات لعدم جاهزيتها.
موقف النهضة
بدوره أكد الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، عماد الخميري، أن موقف حزبه واضح من تأجيل الانتخابات البلدية، لما له من ضرر وانعكاسات على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، مشدداً لـ"عربي بوست"، على حرص النهضة على التوافق على تحديد موعد نهائي للانتخابات البلدية، داعياً كلَّ الأحزاب السياسية للتوافق على موعد نهائي لا لبس فيه، لاستكمال العملية الانتخابية في ظروف طيبة.
الخبير في القانون الدستوري، قيس سعيد، ذهب لاعتبار الحديث عن وجود انتقال ديمقراطي حقيقي في تونس أمراً مشكوكاً فيه، بالنظر لعودة منظومة الاستبداد القديمة في عهد بن علي.
وأكد لـ"عربي بوست"، أن الانتخابات البلدية بصياغتها الحالية هي امتداد مقنع للسلطة المركزية في قصر قرطاج، وقصر الحكومة ومجلس نواب الشعب بالنظر لطريقة التصويت عن طريق اعتماد قاعدة التمثيل النسبي للأحزاب. مضيفاً: "تلك الطريقة المعتمدة في الاقتراع ستجعل من النائب المنتخب مديناً، لا لمن انتخبه من عامة الشعب، بل لمن رشَّحه للهيئة المركزية للحزب الذي سينتمي إليه، بالتالي ستكون المجالس البلدية صورةً مصغرةً لمجلس النواب، مما يدعو للتحفظ والاحتراز حول ما يوصف بأنه انتقال ديمقراطي".
وختم بالقول، إن البناء الديمقراطي السليم يجب أن ينطلق من الحكم المحلي نحو المركزي، وليس العكس.