يبدو أن مسألة زواج المسلمة بغير المسلم في تونس، التي أقرها الرئيس التونسي، وانتهت بدخولها حيز التنفيذ بعد الإلغاء الفعلي لمنشور وزارة العدل الصادر سنة 1973، منذ أيام قليلة، يبدو أنها لم تُحسم بعدُ، حيث تعالت أصواتٌ لرجال قانون ومتخصصين في مجال إبرام عقود الزواج، رافضةً لهذا الإجراء، بحجة عدم قانونيته، وعدم تطابقه مع مبادئ الدين الإسلامي.
صفحات التواصل الاجتماعي في تونس كانت قد نقلت بشكل كبير صور زواج تونسية بغير مسلم، بعد أيام من إلغاء المنشور عدد 1973، ليتبيَّن أن الزواج يعود لتونسية تزوَّجت مسيحياً، لكن بعد أن أعلن إسلامه، بحسب ما نقلته مجلة "تونيفيزيون" ومواقع أخرى.
بدوره أكد المحامي والناشط الحقوقي في تونس سيف الدين مخلوف، على أن زواج المسلمة بغير المسلم في تونس لا يزال ممنوعاً قانونياً، ويرتقي لحكم الزنا، بسبب عدم توفر الشروط القانونية والدينية، بحسب ما نشره في تدوينة عبر صفحته الرسمية على فيسبوك.
وكانت وزارة الشؤون المحلية في تونس قد أصدرت بلاغاً ذكَّرت فيه الراغبين في إتمام مراسم الزواج بغير المسلم بالوثائق المطلوبة، في إجراء أكَّد فتح باب هذا الزواج بشكل رسمي في تونس.
لن أحرر عقداً
عدل الإشهاد عبد المجيد فقي، الذي تجاوز عمله في مجال إبرام عقود الزواج الـ11 عاماً، أعلن عبر صفحته الشخصية، أنه لن يُحرِّر عقودَ زواجِ المسلمة بغير المسلم، موجهاً رسالته إلى الناطقة باسم رئاسة الجمهورية، في تدوينة كتبها في الغرض.
فقي اعتبر في تصريح لـ"عربي بوست"، أن موقفه الرافض لإبرام عقود الزواج تلك نابع من جانب عقائدي وقانوني في مقام أول، حيث إن دستور تونس ما بعد الثورة، الذي يُعد أعلى سلطة قانونية في البلاد، ينص في فصله الأول على أن تونس دينها الإسلام.
كما ينص الفصل 39 على أن الدولة تضمن تأصيل الهوية العربية الإسلامية لدى الناشئة، وتنص توطئة الدستور على التشبث بالهوية العربية الإسلامية "وهذا كله لا يتطابق مع زواج المسلمة بغير المسلم في تونس"، وفق قوله.
عدل الإشهاد شدَّد أيضاً على أن مجلة الأحوال الشخصية في تونس، التي تعد مرجعاً قانونياً أرساه الحبيب بورقيبة سنة 1956، كتوجه عام لتعزيز مكتسبات المرأة، تنص في فصلها الخامس على أنه من شروط اكتمال الزواج بشكل قانوني "أن يكون كل من الزوجين خالياً من الموانع الشرعية".
وتشدد في فصلها 21: كون "الزواج الفاسد هو الذي اقترن بشرط يتنافى مع جوهر العقد، أو انعقد من دون مراعاة لأحكام الفقرة الأولى من الفصل الثالث، والفقرة الأولى من الفصل الخامس…"، وبالتالي فإن زواج المسلمة بغير المسلم هو مانع شرعي، يَبطل بموجبه عقد القران، طالما لم يُشهر الزوجُ إسلامَه، وفق قوله.
كما أشار إلى أن إلغاء وزارة العدل للمنشور الصادر سنة 1973، الذي يمنع عدول الإشهاد وضباط الحالة المدنية من إبرام عقود زواج لغير المسلم لم يصحبه إلغاء لباقي المنشورات الأخرى، على غرار منشور ينص على وجوب الاستظهار بشهادة اعتناق الزوج غير المسلم الدين الإسلامي، وإلا فيعتبر الزواج لاغياً.
وخلص لوجود تضارب قانوني وتسرُّع من رئاسة الجمهورية، في إعلان إجراء غير قانوني لخدمة أغراض سياسية وحزبية بحتة، داعياً السلطات إلى تنقيح القوانين المنظمة لهذه المسألة أولاً، حتى لا يحصل هذا الخلط القانوني.
وختم بالقول، إن موقفه يلزمه وحده، ولا يُعبِّر عن موقف نقابة عدول الإشهاد في تونس، لكنه في المقابل أكد على وجود تضامن وتأييد واسع من باقي زملائه في نفس المهنة.
وكانت الناطقة باسم رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش، أعلنت منذ أيام عبر تدوينة لها عن إلغاء كل النصوص المتعلقة بمنع زواج التونسية بأجنبي، مباركة لكل نساء تونس حقهم في اختيار شريك حياتهم، بغض النظر عن الدين.
ب