أفاد مصدرٌ دبلوماسيٌ لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أنَّ الجزائر مستعدةٌ للتوسط في حل أزمة كوريا الشمالية.
كُشِفَ عن هذا بعد أن أطلقت بيونغ يانغ صاروخاً فوق اليابان، يوم الجمعة، 15 سبتمبر/أيلول، بعد أقل من أسبوعين من إجراء تجربةٍ نووية سرية وإطلاق صاروخ سابق.
وتلقَّت الجزائر منذ يناير/كانون الثاني 2016 عدة طلبات رسمية من سفير كوريا الشمالية الجديد بالجزائر، بارك سانغ – جين، الذي أرسَل رسائل دبلوماسية إلى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وأجرى عدة محادثات مطوّلة مع الزعيم الجزائري.
وقال الدبلوماسي الجزائري: "في الوقت نفسه بدأت وزارة الخارجية الأميركية تنبّهنا إلى "ضرورة" قطع العلاقات مع كوريا الشمالية".
يُعدّ هذا موقفاً صعباً بالنسبة للجزائر، التي تعود علاقتها مع كوريا الشمالية إلى عدة عقود، إذ إنَّها لا ترغب في قطع علاقاتها مع كوريا الشمالية. لذا اقترحت أن تتوسّط بين العاصمتين بيونغ يانغ وسول.
وكانت حكومة كوريا الشمالية هي أول حكومة غير عربية تعترف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، عندما سَعَت الجزائر إلى الاستقلالِ عام 1958.
وقال الدبلوماسي إن هذا الأمر إلى جانبِ دعم كوريا الشمالية للحكومةِ الجزائرية خلال الحرب الأهلية في التسعينيات "يُفسّر سبب استمرار الجزائر في الحفاظ على علاقاتها معها، وإنَّ تلك العلاقةَ الحسنةَ بين الدولتين يُمكن أن تتوقف فقط في حال شُنَّ هجومٌ على أيٍّ من جيرانِ الجزائر".
ولا يزال الدبلوماسيون الجزائريون يخشون العواقب الأوسع لتلك الأزمة. إذ أضاف الدبلوماسي الجزائري: "نحن نعرف أنَّ كوريا الشمالية قد أصبحت أولويّةً لواشنطن، خصوصاً بعد تجارب الصواريخِ والأسلحةِ النووية".
وقال إن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى فرض عقوبات اقتصادية، إن لم تنصعِ الدولُ الأخرى، بما فيها الجزائر.
ضغوط أميركية
وكشف دبلوماسي أميركي لموقع ميدل إيست آي، أنَّ ضغوط واشنطن على الجزائر هي جزء من حركة أوسع تستهدف باقي الحُلفاء العرب، بما في ذلك مصر والكويت.
إذ قال: "من غير المقبول أن تُحافظ هذه الدول على علاقاتٍ طبيعية مع دولةٍ فُرِضَت عليها عقوباتٌ من قِبَل مجلس الأمن".
ووفقاً لرجل أعمال كوري جنوبي يعمل في قطاع التكنولوجيا في المنطقة، فإنَّ الضغطَ الأميركي قد بدأ بعد التجارب النووية لكوريا الشمالية، في يناير/كانون الثاني 2016.
وصرَّح رجل الأعمال قائلاً: "في ذلك الوقت، اتفقت سول وواشنطن على استراتيجية لعزل بيونغ يانغ". وتابع: "عن طريق مُطالبة الدول العربية المُمَثَّلة دبلوماسياً (باستثناء سوريا) بقطع كل العلاقاتِ مع كوريا الشمالية".
ازداد هذا الضغط في الأسابيع الأخيرة، لاسيما منذ التجربة النووية لكوريا الشمالية في موقعِ بونجي-ري منذ أقل من أسبوعين.
تعود علاقات كوريا الشمالية مع المنطقة إلى عقودٍ ماضية. ويعتقد الكثير من المراقبين أنَّ التفكيرَ الحاليّ لكيم جونغ أون مبنيّ جزئياً على إطاحة زعيمين عربيين بصورةٍ عنيفة خلال الأعوام العشرين الماضية، ورغبته في الحفاظِ على سلطتِهِ.
هذا وقد دافعت وكالة الأنباء المركزية الكورية، في يناير/كانون الثاني 2016، عن البرنامج النووي للبلاد قائلةً: "نظام صدام حسين في العراقِ ونظام القذافي في ليبيا لم يتمكنا من الهروب من الدمار، بعد حرمانهما من أُسُس التنمية النووية، وتخليهما طوعاً عن برامجهما النووية".
ويُذكر أن العراق وكوريا الشمالية هما اثنتان من الدول الثلاث التي وصفها الرئيس الأميركي جورج بوش بأنَّها "محور الشر". وهي القائمة التي أُضيفت لها ليبيا لاحقاً.
مصر
تقوم بلدانٌ أُخرى في المنطقة الآن بإعادة النظر في علاقاتها مع كوريا الشمالية، أو الإبقاء عليها كما هي.
تعود العلاقات بين القاهرة وبيونغ يانغ أيضاً إلى عقودٍ مضت، ولطالما كانت تلك العلاقات قوية حتى الأيام القليلة الماضية.
فخلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، على سبيل المثال، أرسلَت كوريا الشمالية ما لا يقل عن 30 فرداً، وكذلك سرباً من طائرات الميغ-21، لحمايةِ جنوب مصر ضد الهجماتِ الإسرائيلية.
وبالمثل، فقد كانت شركة أوراسكوم المصرية للبناء تمتلك في فترةٍ ما غالبية أسهم شركة كوريولينك، وهي شركة شبكة هواتف الجيلِ الثالثِ في كوريا الشمالية.
إلا أنَّ القاهرة قد وجدت نفسها في موقفٍ حرج بين واشنطن وبيونغ يانغ. إذ أعلنت الولايات المتحدة، في أواخر أغسطس/آب الماضي، أنَّها ستستقطع حوالي 290 مليون دولار من المساعدات المُقدّمة إلى مصر، إلى أن "نشهد تقدماً في الممارسات الديمقراطية".
لذلك لم يكن من الغريب أن تعلن يونهاب، وهي الوكالة الرسمية للصحافة الكورية الجنوبية، في 11 سبتمبر/أيلول، عن قطع العلاقاتِ العسكريةِ بين مصر وكوريا الشمالية.
وقد أكد ذلك خلال 24 ساعة وزير الدفاع المصري صدقي صبحي، إذ وعد بزيادة التعاونِ مع كوريا الجنوبية وفرْض عقوباتٍ جديدة على حليفتها الشمالية السابقة.
وقال مصدرٌ من وزارة الخارجية الجزائرية، وهو مصدرٌ مُطّلِع على الأمورِ في القاهرة: "إنَّ مصرَ تسيرُ في اتجاهِ القطعِ النهائي للعلاقاتِ الدبلوماسية مع كوريا الشمالية".
الكويت
في حين تواجه الجزائر ومصر معظم الضغوط في الوقتِ الحاضرِ من واشنطن، أُشيدَ بدولٍ أخرى لتغيير نهجها في التعامل مع كوريا الشمالية.
أوقَفَت الكويت، في 10 أغسطس/آب، الرحلات الجوية التابعة لشركة إير كوريو، شركة الطيران الوطنية في كوريا الشمالية.
وأشاد وزيرُ الخارجيةِ الأميركي السابق جون كيري، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بالدولةِ الخليجيةِ لـ"اتخاذها خُطواتٍ لمنعِ الرحلاتِ الجويةِ، والتأكّد من أنَّ عائدات العمالِ لا تدعم نظاماً غير شرعي وغير قانوني في كوريا الشمالية".
وكانت الإمارةُ قد عرضت في السابق فرصَ عمل للعمالِ الكوريين الشماليين، والذين تُوفِّر تحويلاتهم المالية إلى بلادهم دخلاً أجنبياً لا يُقدَّر بثمنٍ.
إلا أنَّ الكويت علَّقت الآن التأشيرات، وحظرت كذلك التحويلات المصرفية وتراخيص الاستيراد، وطلبت من بيونغ يانغ خفضَ عدد الدبلوماسيين في سفارتها بالدولة الخليجية.
اليمن
أدَّى الصراع في اليمن، والذي خلَّفَ ما لا يقل عن 10 آلاف قتيل، وشرَّدَ نحو مليوني شخص منذ عام 2015، إلى وقفِ المعاملات المعتادةِ بين صنعاء وبيونغ يانغ.
وأفاد موقع نورث كوريا نيوز، في مارس/آذار 2016، بأنَّ بنادقَ كوريا الشمالية الآلية كانت ضمن مجموعةَ الأسلحة التي عُثِر عليها على متن سفينةِ صيد اعترضتها سفينةٌ حربية أستراليّة قبالة ساحل عُمان، وقيل إنَّ تلك البنادق كانت في طريقها للمتمردين الحوثيين اليمنيين.
وأفادت مُذَكِّرةٌ سرّيّة أصدرها معهد شؤون الخليج، ونُشِر محتواها على موقعِ عربي 21 الإخباري، بأنَّ الإمارات قد اشترت أسلحةً بقيمةِ 100 مليون دولار من كوريا الشمالية لاستخدامِها في الحربِ اليمنية.
ليبيا
رغم الاضطرابات الداخلية، لم تُظهِر حكومةُ ليبيا المدعومة من الأممِ المتحدةِ الكثيرَ من الحماسِ تجاه قطع العلاقات طويلة الأمد مع بيونغ يانغ.
تعود تلك العلاقات إلى الأيامِ الأولى لحكمِ معمر القذافي، إذ أُرسِلَ مئاتُ الجنود الكوريين الشماليين لدعمِ وتدريب جيش القذافي الجديد.
وربما يأمل المسؤولون في سول وواشنطن بأنَّ تكون الحرب الأهلية في ليبيا قد تسبَّبت في قطعٍ طبيعيٍّ للعلاقات مع بيونغ يانغ، بينما تحاول السلطات الليبية أن تنأى بنفسِها عن حلفاء الزعيم المخلوع.
لكن بدا هذا الأمل بعيدَ المنال فور نشر وزارة الدفاع بحكومة الوفاق الوطني، في فبراير/شباط 2017، مناقشاتها العسكرية مع "زوجين هيوك"، السفير الجديد لكوريا الشمالية لدى ليبيا. ونشرت بعد ذلك بياناً وصوراً على حساب فيسبوك الخاص بها.
وجاء في جزءٍ من البيان أنَّه "تم خلال اللقاء الذي جمع وزير الدفاع بسفير جمهورية كوريا الشمالية تداول العلاقات الثنائية بين البلدين، لاسيما في مجال التعاون العسكري. والاتفاق على بلورة خطة عمل مشتركة للارتقاء بالتعاون الثنائي بين طرابلس وبيونغ يانغ، في مختلف المجالات، لاسيما في ميدان التعاون الفني وتكنولوجيات المعلومات والاتصال في المجالات العسكرية".
وأعرب سفير جمهورية كوريا الشمالية خلال اللقاء عن تطلع بيونغ يانغ إلى "مزيدٍ من تعزيز حضور دور كوريا الشمالية في الارتقاء بالمؤسسة العسكرية التي تربطها علاقاتٌ متينة مع دولة ليبيا، عبر الإسراع في وتيرة تنفيذ المشاريع المبرمجة خلال السنوات الماضية، وكذلك عبر برمجة مشاريع جديدة للسنوات المقبلة".
سوريا
لا تزال دمشق تحتفظ بتمثيلِها الدبلوماسي في كوريا الشمالية. وكما هو الحال مع إيران، حليفة بيونغ يانغ الأخرى، فسيكون من الصعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً، أن تُمارِس الولاياتُ المتحدةُ ضغوطاً على الرئيسِ السوري بشار الأسد.
وقال تمّام سليمان، سفير سوريا لدى كوريا الشمالية، في مقابلةٍ لهُ مع موقع "نورث كوريا نيوز"، في يناير/كانون الثاني الماضي: "تُعبِّر جمهوريةُ كوريا الديمقراطية الشعبية في كل اجتماعٍ وكل مهمةٍ وكل ندوةٍ وكل اجتماعٍ دوليّ عن دعمها لنا وتضامنها معنا، ليس فقط عبر وسائل الإعلام، بل من خلال أفراد شعبها أيضاً". وأضاف: "إنَّها ليست قضية سياسية فحسب، بل قضية شعبية للشعب الكوري، أن يقف إلى جانبِ الشعبِ السوريِّ مسانداً سوريا".
هذا، وقد أفاد تقرير الأممِ المتحدةِ الذي صدر، في شهر أغسطس/آب الماضي، بشأن انتهاكات العقوبات في كوريا الشمالية، بأنَّهُ خلال الأشهُر الستة الماضية، اعتُرِضت شُحنتان تابعتان لوكالةٍ حكوميةٍ سورية مسؤولة عن برنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا.
وقال فريقُ الخبراء في التقريرِ الذي يتألف من 37 صفحة: "يُحقِّق الفريقُ في التعاون المزعوم المحظور للأسلحة الكيماوية، والصواريخ الباليستية، والأسلحة التقليدية بين سوريا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية".
وافتتح مسؤولون حكوميون سوريون، في سبتمبر/أيلول 2015، حديقةً في دمشق، تكريماً للأب المؤسسِ لكوريا الشمالية، كيم إيل سونغ.