وجدت قوات الأمن المصري نفسها في تعثُّر مستمر ومتزايد خلال سنوات صراعها الأربع ضد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في شمالي شبه جزيرة سيناء، وذلك رغم المساعدات الأميركية لمكافحة الإرهاب التي تُقدر بمليارات الدولارات.
انتهت في هذا الصراع حياة المئات من ضباط وجنود الشرطة المصرية، بما في ذلك على الأقل 20 ضحية خلال الأسبوع الماضي فحسب، وفق ما ذكر تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
فقد لقي ما لا يقل عن 18 من رجال الشرطة مصرعهم، يوم الإثنين الماضي، عندما فجَّر أحدُ الانتحاريين سيارته المفخخة بالقرب من أحد المواكب الأمنية. وقد صرَّح المتحدث العسكري بأن الهجوم الذي وقع بالقرب من مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، شديدة التأمين، تبعته اشتباكات مسلحة، بعد أن فتح مسلحون آخرون النار على الموكب.
وقال مصدر أمني، إن 3 مدرعات تابعة للشرطة -كانت قادمة من مدينة بئر العبد باتجاه مدينة العريش- تم تفجيرها بعبوات ناسفة عن بُعد، موضحاً أن من بين القتلى ضابطاً، ومن بين المصابين ضابط كبير برتبة عميد يُدعى محمود خضراوي وهو مفتش المنطقة الغربية في شمال سيناء، وفق ما ذكرت قناة الجزيرة الإخبارية.
وقد أعلنت ولاية سيناء، التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليتها عن الهجوم، وقالت إن الانتحاري "أقحم نفسه بين 6 مركبات للشرطة، من ثم فجّر سيارته". كما دَمَّر عناصر التنظيم أيضاً عدداً من المركبات العسكرية، فضلاً عن سيارة إسعاف، وعربة إطفاء.
ونشر التنظيم، الأربعاء الماضي، صوراً لعملية تفجير المدرعات المصرية، وظهر بالصور تفجير سيارة التشويش، التي كانت تصاحب الرتل العسكري في طريقه من مدينة بئر العبد شمال سيناء إلى مدينة العريش.
كما أظهرت الصور أيضاً عدداً من قتلى الشرطة، وكذلك مجموعة من المدرعات التي دمرتها العملية الانتحارية، إضافة إلى بنادق آلية وطلقات رصاص، استولوا عليها من الرتل العسكري.
بعد مرور يومين على هذا الهجوم، قُتل جنديان في اشتباك بالأسلحة النارية، بعد أن شنَّ مسلحون هجوماً فاشلاً على إحدى نقاط التفتيش شمالي سيناء، حسب ما ذكره المتحدث العسكري. ومرة أخرى، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هذا الهجوم.
هجمات متوالية
تقع هجمات مماثلة كل بضعة أسابيع، خلال الأشهر القليلة الماضية، ما يؤكد قدرة العناصر المسلحة على الصمود والاستمرار، فضلاً عن قدرتهم على شنِّ هجمات مُرَكبة ومتتابعة، مستغلين في ذلك البيئة المحيطة لصالحهم.
حوَّلت هذه الهجمات شبه جزيرة سيناء إلى منطقة أكثر عزلة، حيث قُتل، منذ يوليو/تموز من عام 2013، ما لا يقل عن 1000 من عناصر الأمن في الهجمات الإرهابية التي نُفذت في شبه جزيرة سيناء، وذلك وفقاً للبيانات التي جمعها معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، وهو مؤسسة غير هادفة للربح. بينما لقي أكثر من 200 عنصر من عناصر قوات الأمن مصرعهم في سيناء منذ مطلع 2017.
قالت نانسي عقيل، المديرة التنفيذية لمعهد التحرير، إن ولاية سيناء وحدها أعلنت عن شنِّ أكثر من 800 هجوم في جميع أنحاء مصر، منذ أن بايعت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في نوفمبر/كانون الثاني من عام 2014.
وأضافت أن قوات الأمن المصري قتلت أكثر من 2500 ممن يُشتبه في انتمائهم إلى جماعات إرهابية، من خلال عملياتها في سيناء منذ 2013، بينما بلغت الأعداد غير الرسمية التي أعلنتها وسائل الإعلام المحلية أكثر من ذلك بكثير.
تقول عقيل، على الرغم من انخفاض عدد العمليات الإرهابية هذا العام مقارنةً بالعام الماضي، فإن عدد الضحايا قد ازداد. ما يشير إلى أن هذه العناصر المسلحة، تُخطط لعملياتها بعمق استراتيجي أكبر، وبهدف إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا، مع اقتراب دحر تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا، تؤكد فروعه على وجوده في أجزاء أخرى من العالم، من شمال إفريقيا إلى أفغانستان، وصولاً إلى الفلبين.
فقد انتشر هذا التنظيم الذي يُعرف أيضاً بـISIS أو ISIL "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، في مرتفعات تونس، كما حافظ على وجوده في ليبيا، رغم فقدانه معقله الأساسي في مدينة سرت، العام الماضي.
وتقود العناصر المسلحة المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية في شمال سيناء تمرداً مسلحاً انطلق صيف عام 2013، وذلك بعد إطاحة الجيش المصري بالرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي. وكان على رأس هذا الانقلاب الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي. والهدف المعلن لهذا التمرد هو إسقاط حكومة السيسي.
رفع تنظيم الدولة الإسلامية أيضاً من وتيرة استهدافه للمسيحيين في مصر، الذين يشكلون قرابة 10% من عدد السكان في البلاد البالغ 94 مليون نسمة. ويبدو أن هذا النهج صُمم لنشر مزيد من الانقسام، ما يدفع المصريين للوقوف ضد حكومة السيسي، التي فشلت في حماية الأقلية السكانية داخل المجتمع المصري.
وأغلقت إسرائيل حدودها الجنوبية المتاخمة لسيناء بعد تفجيرات الكنائس في مصر.
وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء عام 2015 مسؤوليته عن إسقاط طائرة ركاب روسية، بعد إقلاعها من مطار مدينة شرم الشيخ السياحية، المطلة على شواطئ البحر الأحمر.
وأصاب هذا الهجوم، الذي أودى بحياة جميع ركاب الطائرة البالغ عددهم 224 راكباً- الاقتصاد المصري في مقتل، إذ علَّقت روسيا رحلاتها الجوية إلى البلاد، كما أوقفت بريطانيا وغيرها من الدول رحلاتها الجوية إلى مدينة شرم الشيخ، التي تُعد مصدر ثلث العائدات السياحية السنوية لمصر.
أعداد الضحايا الحقيقية
وجاء هجوم الإثنين الماضي، بعد شهرين من قتل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية لما لا يقل عن 23 جندياً في نقطة أمنية بالقرب من مدينة رفح المصرية، المتاخمة لقطاع غزة، وهو الهجوم الأعنف الذي تعرَّضت له قواتُ الأمن المصرية على مدار عامين.
كما قَتل قناصو التنظيم عدداً من رجال الشرطة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وأصدر أعضاء من مجلس الشعب المصري، هذا الأسبوع، تصريحاً تعهّدوا فيه باستئصال الإرهاب، بينما قالت هيذر نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية في بيان لها، إن الولايات المتحدة "ستواصل مؤازرتها لمصر في مواجهة التهديدات الإرهابية".
ويقول كثير من المحللين إن أعداد الهجمات الإرهابية وضحاياها في شبه جزيرة سيناء قد تكون أعلى بكثير من الأرقام الرسمية. فقد منع الجيش المصري الصحفيين المحليين والأجانب من زيارة منطقة شمال سيناء، كما أن جميع المعلومات المنشورة تصدر وفقاً للرواية الحكومية.
ويؤكد أحد المحللين، الذي تربطه علاقات وثيقة بعدد من أفراد القبائل السيناوية، وغيرهم من المصادر، أنه علم مؤخراً أن هناك هجمات واشتباكات بالقرب من مدينة رفح. بينما لم تنشر قوات الأمن أو وسائل الإعلام المحلية أي معلومة عن هذه الاشتباكات.
ويضيف: "من الصعب جداً فهم ما يحدث بالضبط، فقد فُرض تعتيم مُشدّد أكثر سوءاً مما اعتدنا عليه فيما يخص سيناء".