حين أمرّ على البيوت القديمة التي غالباً ما تكون مهجورة، أجدها مظلمةً كئيبةً قابضةً للقلب، أحس بأن الحزن يخيّم عليها، وكأنها شخص أبكم يريد أن يصرخ، ولكن لا يستطيع، أو كهل عجوز يريد البوح بما مرَّ به طوال سنوات حياته، ولكن لا يجد من يستمع إليه.
كل ركن شهد العديد من المواقف، كل شرخ في حيطانها يحمل ذكرى، ذكرى لأشخاص رحلوا وتركوا خلفهم في هذا المكان جزءاً من روحهم لا يمحوه الزمان أبداً، هناك الكثير والكثير من القصص التي شهدت عليها تلك الحيطان.
أعتقد أن تلك البيوت تتذكر مَن كان يسكنها وتشتاق إليهم. ربما هذا الحزن الذي يخيم عليها هو مظهر من مظاهر الحداد الذي تقيمه تلك البيوت بعد رحيل ساكنيها، هناك عبارة يرددها كبار السن حين يتوفى شخص أو يترك منزله يقولون إن المكان حزين على صاحبه وأن نوره انطفأ.
أظن أن المكان يفقد روحه بفقدان ساكنه، أكثر من يتفهم ذلك الأمر هم الأشخاص الذين مرّوا بتجربة الانتقال، وترك مسكن عاشوا فيه الكثير من الذكريات.
أتذكر حينما انتقلنا من مسكننا أن أصعب اللحظات التي عشتها كانت عندما رجعت مرة أخرى لزيارة هذا المسكن بعد انتقالنا؛ لأجده خالياً من الأثاث وخالياً منا، لا أرى فيه سوى حيطان تحمل ذكرياتنا، كنت أنظر في كل زاوية وأتذكر تلك الذكريات التي مررنا بها في ذلك المكان، أحسست حينها أنه يلومنا ويعاتبنا على هجرانه، ربما الأمر خيالي، ولكنه صدقاً مؤثر جداً.
كل مكان نمر به نترك فيها أثرنا، ويترك فينا ذكرى. تلك الذكرى لا نحملها وحدنا، ولكن تحملها أيضاً تلك الأماكن، وربما هذا ما يجعل بعض الأماكن خفيفة الروح وأخرى ثقيلة الروح، فروح المكان معتمدة على الأثر والذكرى التي يتركها مَن مرّوا به، فإن كانت طيبة كان المكان خفيف الروح، وإن كانت خلاف ذلك كان ثقيل الروح، فحاوِل أن تترك أثراً طيباً في كل مكان تمرّ به.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.