تقع "جمعية كافكا الأميركية" في قلب مدينة نيويورك، على الشارع رقم 65، شرق ميدان "سنترال بارك"، وشمال فندق "ترامب"، وغرب مبنى الأمم المتحدة، وجنوب حي هارلم للزنوج.
تتبع الجمعية لجمعية اللغات الحديثة الأميركية (إم إل إيه إيه)، وتعقد مؤتمراً كل سنة عن كافكا. مؤخراً، عقدت مؤتمراً بمناسبة مرور 90 عاماً على تأليف كافكا رواية "أميركا"، ومؤتمراً عن "كافكا والكافكائية"، ومن وقت لآخر، تنظم رحلات أدبية من أميركا إلى براغ، حيث وُلد كافكا، وحيث أكبر متاحفه.
ـــــــــــــــــــــــــــ
مَن هو؟
في عام 1883، وُلد كافكا في عائلة يهودية في براغ (خلال الإمبراطورية النمساوية المجرية)، وفي عام 1924، توفّي في سن صغيرة، بمرض السل الرئوي (في النمسا).
درس كافكا في جامعة شارلز، في براغ. وحمل ثلاث جنسيات: النمساوية، والمجرية، والتشيكوسلوفاكية. واشتهرت رواياته بالقلق، والتوتر، والإحساس بالذنب، والانعزالية، والأمور التافهة.
ومن أشهر رواياته: "المسخ" و"المحاكمة" و"القلعة"، ودخلت كلمة "كافكائية" اللغة الإنكليزية إشارةً إلى هذه الميول.
في عام 1914، مع بداية الحرب العالمية الثانية، كتب كافكا رواية "أميركا"، وتسمى، أيضاً "الرجل الذي اختفى" (بالألمانية: "دير فيرشلولنس")، وتعتمد على رسائل أقرباء وأصدقاء كافكا، كانوا هاجروا إلى أميركا.
تتلخص رواية "أميركا" في بطلها روزمان (16 عاماً)، الذي هاجر من النمسا هروباً من فضيحة عائلية. كان مارَس الجنس مع خدامة عائلته الأرستقراطية، وتسبب في إشانة سمعة العائلة، وهرب. صادق، في الباخرة (التي كانت تسير بالفحم) فراناً تعيساً مثله، يرمي الفحم في فرن الباخرة العملاق. وعندما وصلت الباخرة إلى نيويورك، هرب الفران مع روزمان، فاجتمع التعيسان في شوارع نيويورك، لا يعرفان ماذا يفعلان.
مثل روايات كافكا، تتقلب هذه الرواية بين فرح وتعاسة:
فجأة، ابتسم الحظ لروزمان، وجد نفسه أمام السيناتور جاكوب، عضو الكونغرس الأميركي، واكتشف السيناتور أنه ابن أخيه، فدعاه ليسكن معه في منزله الفاخر.
لكن، في تحول كافكائي مفاجئ، طرده السيناتور من المنزل؛ لأنه صار صديق مجموعة من المراهقين الفاسدين في شوارع نيويورك، وعادت إليه التعاسة.
لكن، عاد إليه الحظ مرة أخرى، عندما وجد وظيفة في فندق "أوكسيدنتال"، يحمل حقائب النزلاء، ثم واجه التعاسة مرة أخرى، عندما خرق قوانين الفندق، فعاد إلى أصدقاء السوء التعيسين مثله.
ثم وجد وظيفة خادم في منزل برونيلدا، الثرية البدينة جداً.
لكن، عادت إليه التعاسة بعد أن سئم هذه الوظيفة، وهرب إلى ولاية أوكلاهوما، هناك غيّر اسمه من "روزمان" إلى "نيغرو" (زنجي). قال إن الاسم الجديد ربما سيجلب له حسن الحظ.
لحسن حظ بطل الرواية، لم يكملها كافكا (ربما إذا أكملها، كان الصبي التعيس سينضم إلى زنوج تعساء).
ــــــــــــــــــــــــ
تمثال الحرية:
ناقشت "جمعية كافكا الأميركية"، مؤخراً، أسلوب كافكا هذا: يتنقل أبطال رواياته بين السعادة والتعاسة، لكن، تنتصر التعاسة.
أشار كافكا، في رواية "أميركا"، إلى تمثال الحرية، عند مدخل ميناء نيويورك، وبدلاً من الإشادة برمز حرية أميركا، انتقده، وقال إنه رمز استعلاء أميركا، وقال إن الشعلة التي تحملها سيدة التمثال يجب أن تحطم، ويوضع مكانها "سيف قهار"، رمزاً لقوة أميركا، واستعلائها.
قال راينار ستاش، مؤلف كتاب "هل هذا هو كافكا؟": "يتناقض هذا التشاؤم الكافكائي مع التفاؤل الأميركي".
وقال فردريك كارل، أستاذ الأدب في جامعة نيويورك: "دخل اسم كافكا الأدب مثلما لم يدخله اسم أديب آخر. صارت الكافكائية تمثل حياتنا التي تتأرجح بين السعادة والتعاسة، لكن، صار بعض الناس يسيئون استعمال الكافكائية، مثل أن يقول شخص: أمس، حاولت اللحاق بحافلة، ولم أقدر، وسألت عن الحافلة التالية، وقيل لي: هذه كانت آخر الحافلات لهذا اليوم، ويقول لنفسه: أصابتني الكافكائية".
ــــــــــــــــــــــــــــــ
"المحاكمة":
في عام 1914، كتب كافكا رواية "دير بروسيس" (المحاكمة). وتتلخص في شخصية "جوزيف كي"، كبير الصرّافين في بنك كبير، كان سعيداً في حياته، بسبب حجم راتبه، وبسبب زوجته الجميلة. لكن، فجأة، جاء شرطيان إلى البنك، واعتقلاه. لم يقولا له سبب الاعتقال. وقالا له إنه سيحاكم في يوم معين. وبعد أن كرر "كي" أنه رجل شريف، ولا يمكن أن يهرب من العدالة، أطلقا سراحه حتى يوم المحاكمة.
يوم المحاكمة، ذهب إلى المحكمة، وسأل عن سبب اعتقاله ومحاكمته، وألقى خطبة طويلة عن الظلم الذي لحق به. لكن، لا حياة لمن تنادي، واستمرت إجراءات المحاكمة بطريقة بيزنطية.
قليلاً قليلاً، أحس "كي" بأنه صار أسير "النظام"، بما فيه من بيروقراطية، وسرية، وتهرب من المسؤولية. وقال له محاميه إنه لا يقدر على الدفاع عنه بدون أن يعرف الجريمة التي ارتكبها.
ثم قرر "كي" أن يجرب الكنيسة، لكنه عرف أن كبير الأساقفة فيها يعمل مستشاراً للمحكمة. وقص القسيس على "كي" مثلاً من الإنجيل عن "باب العدل مفتوح، لكن ليس الآن".
ولم تكن نهاية الرواية أقل غرابة، عاد رجلا الشرطة اللذان جاءاه في بداية الرواية، وأخذاه إلى مكان بعيد، وأجبراه على أن يقتل نفسه، وكانت آخر كلماته أنه قُتل "مثل كلب".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"آخر محاكمة":
في عام 2010، أرسلت صحيفة "نيويورك تايمز" مراسلاً خاصاً إلى إسرائيل لتغطية نزاع قضائي حول أوراق كافكا (نقلها واحد من أصدقاء كافكا من براغ إلى إسرائيل).
وكتب المراسل تقريراً طويلاً تحت عنوان: "المحاكمة، آخر روايات كافكا" (إشارة إلى رواية "المحاكمة").
وتحدث المراسل عن نقطتين:
أولاً: لم يكن كافكا يهودياً فقط، بل كان، أيضا، صهيونياً متحمساً للصهيونية. وفكّر في الهجرة إلى فلسطين (قبل تأسيس إسرائيل بعشر سنوات تقريباً)، وكتب رواية عن تأسيس إسرائيل مكان فلسطين، ويقال إن طلبه للهجرة رفض كفيله بسبب إصابته بالسل الرئوي (قتله في عام 1924، وعمره 40 عاماً فقط).
ثانياً: بينما يصف الإسرائيليون كافكا بأنه يهودي، يصفه كثير من الألمان (وأميركيون أيضاً) بأنه "روائي ألماني"، وكتب الصحفي: "لا يعنى تصوير كافكا لتجارب يهود في أوروبا (التعاسة والقلق) أنه يمثل الأدب اليهودي، إنه يمثل نوعاً خاصاً من الأدب الأوروبي الحديث".
ــــــــــــــــــــــــــ
أفلام كافكا:
في الشهر الماضي، عرضت "جمعية كافكا الأميركية"، بالتعاون مع مكتبة نيويورك العامة، بعض أفلام روايات كافكا، منها فيلم "المحاكمة"، الذي صدر في عام 1962.
كتبت مجلة "نيويوركر" عن فيلم "المحاكمة": "واحد من أكثر الأفلام غرابة وشجاعة، جمع بين تعاسة البطل (انتحر عند نهاية الفيلم)، وبين تعاسة هوليوود (في ذلك الوقت، كانت عاصمة السينما تعاني مشاكل مادية وإدارية)، وبين تعاسة العصر (كان ذلك بعد سنوات قليلة من "الحرب المكارثية"، عندما أصدر الكونغرس قانون الحرب ضد الشيوعية والشيوعيين. وبدأت تحقيقات مثيرة بقيادة السيناتور اليميني جوزيف مكارثي)، نشرت الرعب في قلوب الشيوعيين واليساريين.
تظل أكثر مناظر الفيلم إثارة هي التي في نهايته، قتل "كي" نفسه بمتفجرات في الفيلم، لكنه، في الرواية، قتل نفسه بسكين، في الحالتين، كانت آخر جملة قالها إنه مات "مثل كلب".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمعية كافكا الأميركية
مقتطفات من فيلم "المحاكمة"
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.