"ما بزوجك إلا بنت أصول"، "أصيلة، أصيلة الحمد لله"، "الحمد لله كنتي بنت عالم وناس وبنشد فيها الظهر" كثيراً من اللحظات كانت تتردد على مسامعي مثل هذه العبارات، لم أكن أُعيرها اهتماماً، كنت أقول دوماً بأن هذا الحديث فقط يخص حكايات النساء الكبيرات في السن.
إلى أن جاء اليوم الذي ردَّدت فيه أمي تلك العبارات، ولكن بتكتيكٍ وترتيب منمّق، وكأنها حرصت على أن تُخرجه لي بأبهى الصور، لا أنكر بأنها المرّة الأولى التي يشتاق قلبي فيه لأنثى أخشى ألا تكون في عالمنا، فحروف أمي ما كانت سَتخرج إلا من حرصها على مَن حَملت فيه تسعة أشهر، وكوَّنته في أحشائها لأيامِِ طويلةِِ ليَخرج لها كما أرادت لزرعها أن يُثمر.
ها قد أينع الزَّهر يا أمي، وعبارتُك ما زالت تدقُّ عالم قلبي الخَفي "بأن الأنثى التي ستختارها سَتكون مرآتك، ولكن في روح أنثى، قد لا تُشبهكَ خلقاً وصورةً، ولكنّها سَتكون قرينتكَ عقلاً وفكراً ولغةً وحياةً، سَتكون أنت ولكن في جسد آخر".
ويوماً بعد يوم ما زلتُ أتعلم من مدرسة الحياة الكثير، أدركتُ أنه لا توجد وصفة كاملة للزواج المثالي ولا كتالوج تختار فيه مَن يناسبك، لا شك أن الكثير من الشباب في الوقت الحالي يمضون نحو الزواج في أوقاتٍ هي الأكثر إقبالاً على الزواج في وقتنا الحالي وفي منطقتنا -المنطقة العربية- خاصة، وإني كمطلع على الوضع العام في المنطقة المُحيطة بي لأجد أن هنالك فئةً قليلةً جداً ممن اتخذ من الزواج المثالي بوصلةً يسير باتجاهها نحو هدفٍِ سامٍ مُشرق درسَ أبعاده بدقة مُتناهية مُبتعداً عن العادات والتقاليد المقيتة، والأهداف التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، والتي يكون في هدفها فقط التكاثر.
ولعلّ القارئ يسأل: ماذا تقصد بالزواج المثالي؟ إن أغلب شباب اليوم يبحثون عن شريكة حياة تشاركهم تفاصيل يومهم ولعلّهم يكررون عبارة (بِدّنا نحقق أهدافنا)، أيّ أهداف تلك التي تقوم بعكسها وتجهل ماهيتها؟ ودونما أن تضع خطة كافية لأن تسير عليها، لا بد لكَ يا عزيزي أن تفهم جيداً أن الزواج السليم يكون في الفهم السليم له من كافة النواحي وكافة الأمور المرتبطة بما عزمتَ عليه -الزواج- يبدأُ من اختيارك للفتاة التي أردت أن تكون شريكة حياتك، مروراً بالكثير من الترتيبات اللازمة لهذه المرحلة، وصولاً ليوم الزفاف الذي يحلمُ به الشباب من كلا الجنسين.
لحظة.. تحدَّثت آنفاً عن اختيار شريكة الحياة، ولعلّ هذه الخطوة تُعتبر من أهم المراحل التي ستواجه الشاب المُقبل على الزواج، وعند حديثي عن الشاب فإني أوجه حديثي أيضاً لتلك الفتاة، في حين أنه تخطئ بعض فتيات اليوم في تحديد المعيار الذي ستوافق على أساسه في اختيار شريك الحياة، فبعضهن يخترن حسب مهنته، وبعضهن حسب ما يملك من أموال وشقة مستقلة وسيارة، وكم سيدفع مهراً لها، وبعضهن حسب هذه اﻷسباب مجتمعة.
كلا الطرفين يقع على عاتقه اختيار شريك حياته، الذي سيشاركه أفراحه وأتراحه عسر الحياة ومرّها وسعة العيش ورغده، وكما هو مطلوب من الشاب أن يختار شريكة حياته فالحال ملازم للفتاة أيضاً، ولعلّي أجزم بأن الكثير منا يبحث عن الفتاة التي تحظى باهتمام واحترام الجميع، صاحبة خُلق ودين، ترضى بكلّ تغيرات الحياة والزّمن التي قد تواجههما في حياتهما معاً.
لا شكَّ أن تلكَ المواصفات من الأشياء المهمة في البحث عن الزوجة الصالحة، لكن لا بد عليكَ أن تبحث عن ابنة الأصول التي ستفتح لكَ يديها مُشرعتين، التي لم تعتد إلا على زهد العيش، المكتفية ذاتياً ومادياً والتي اختارتكَ لأنك أنت أنت، والحياة عندها لا تساوي جناح بعوضة بقربك لا تكون إلا سنداً وعوناً، تكون لك سنديانة منيعة في وجه مصائب الحياة تعمل كلّ ما بوسعها لتهونها وتُنسيكَ إياها.
وقفة.. يُحيَّرني الكثير من الشبان المُقبلين على الزواج بتلك القاعدة الخُنفوشارية التي يضعونها كبوصلة لديهم لاختيار شريكة حياتهم، والطلب التعجيزي الذي يطلبونه والذي سأذكر مثالاً عليه بألا يتعدى عمر الفتاة العشرين، مُتناسياً تلك الفتاة المُتعلمة والمُتفهمة لأمور الحياة القادرة على استيعاب الكم الهائل من التغيرات الاستراتيجية التي سيُحدثها الزواج، بعيداً عن ذلك النُضج الذي يُصاحب الفتاة المُكتملة فهماً وعلماً ودراية القادرة على أن ترفعه بحكمتها وتدبيرها للأمور درجاتٍ ودرجاتٍ، والتي سَتكون الرافعة له في أزماته، والتي سَتقوده نحو أهدافه المرجوة، المُخطط لها أو التي لم تكن بالأصل مُدرجة بقاموسه.
وأختم حديثي هذا بقول خير البشر الذي علَّم البشرية جميعاً كيف يكون الزوج الحق، نبي الله عليه الصلاة والسلام: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"، لا خير في الأحباب ما لم يتقاسموا حلو الحياة ومرّها معاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.