الثامنة للمرة الرابعة

ستعمل الأشياء لأول مرة؛ لتستمتع بها، سيكون عملك أحلى وأغنى، ستؤديه بتلقائية وعفوية، وأنه وسيله للفرح والتغيير والتجدد، لا غاية لإرضاء الناس أو الحصول على دخل وستندم كثيراً على لحظات أضعتها حزناً وألماً على أشياء كثيرة ستقول أشهر كلمة (لو) عدت للوراء سأحافظ على شباب الروح، لن يحزنني أن يتفوق عليَّ أحد، لن أبكي على فرصة، لن أندم على حظّ فائت، ولن أبكي على اللبن المسكوب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/14 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/14 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش

ها هي الأيام تمر سنة وراء سنة، نقف في كل عام مع ذكرى ميلادنا، والتي نحظى بها باهتمام خاص وتهاني وأمنيات ولمّة وأصدقاء وكعكة وإطفاء شموع التي تتزاحم لتغطّي سطح الكعكة نقف لنتساءل: هل كانت سنواتنا فعلاً شموعاً تضيء الطريق لنا ولغيرنا؟ هل كانت فعلاً سنوات مليئة بالإنجازات أم سنوات عادية مرت بلا غاية أو هدف أم أنها وقفة حزن أننا خسرنا عاماً واقتربنا من أجَلنا الذي هو في يد الله خسرنا أم كسبنا، فالعمر جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، فهو دورة زمنية علينا أن نعيشها ونمر بها مسيرين بقانون الزمن والعمر، ولكن نبقى مخيرين بقرار كيف نعيشها في الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول سأبدأ عاماً جديداً هو الثامن والثلاثون، لا أعلم لما شعرت به أنني أملك تجربة خاصة يمكنني أن أتحدث عنها وأشاركها.

بالنسبة لي كان مفترق طريق في الحياة شعرت أن بعض القناعات تبدلت، والتي كنت أظن أن الحياة لا تسير إلا بها وتبدأ الأمور والمعطيات تختلف، فأنت لم تعد صغيراً في عيون الناس مهما حاولت، ومهما قاومت بالعناية بمظهر شاب ستسمع من يناديك خالة، وسيبدأ الآخرون يعاملونك بمزيد من توقير؛ لأنك تحمل ملامح عمرية متقدمة، وستشعر ببهجة هذه الملامح التي تطيب العلاقات بين الناس، وستقف إلى جانب نفسك أكثر ستصبح صديقها تطبطب عليها، ستكسوها رداء الحنان والاكتفاء والحب، ستساندها لأول مرة، ولن تخذلها ستحبها بدون شروط، لن تجلدها سترفع عنها القلم سترتدي أحلى ثياب وتخرج بزينة خفيفة في محاولة لتجديد روحك.

ستنظر لأول مرة في المرآة لتتزين لنفسك لتقول: كم أنا جميل، وتقول لنفسك: كيف ترينني الآن؟ وتبتسم مع نفسك ولنفسك بعد أن كنت تسأل نفسك: كيف سيراني الناس؟

ستعمل الأشياء لأول مرة؛ لتستمتع بها، سيكون عملك أحلى وأغنى، ستؤديه بتلقائية وعفوية، وأنه وسيله للفرح والتغيير والتجدد، لا غاية لإرضاء الناس أو الحصول على دخل وستندم كثيراً على لحظات أضعتها حزناً وألماً على أشياء كثيرة ستقول أشهر كلمة (لو) عدت للوراء سأحافظ على شباب الروح، لن يحزنني أن يتفوق عليَّ أحد، لن أبكي على فرصة، لن أندم على حظّ فائت، ولن أبكي على اللبن المسكوب.

ستتمنى لو عشت كل لحظة بسعادة ورضا ستكتشف أن أجمل أسلوب في الحياة هو البساطة، ستنظر إلى خزانتك المملوءة بالثياب، وتندم وتقول يكفي ردائين أرتديهما بحب وسعادة، ستختصر قائمة الأشياء الطويلة، ستكتشف أن الكوخ أوسع من قصر، وأن قيمة الإنسان أخلاقه ونبله وطيبته، ستبحث في الآخرين ليس على نجاحاتهم المهنية أو الحياتية، ستفتش فيهم عن روح حلوة وجميلة، عن بسمة وكلمة طيبة تسند الروح.

سيصبح العقل هو المسيطر على المشهد أما القلب فسلطانه بإمداد العقل ليرى بهجة الأشياء، ويعطي لها معنى، وأن أجمل محطات العمر تلك التي تجعلنا نفرح ونسعد ونبتسم ونرضى حتى لو كان ما حولك ليلاً حالكاً في اللحظة التي تحاط بمحنة كبيرة، وتستطيع أن تتخطاه، فهذا يوم ميلاد جديد.

ستعرف أن حياتك أو سعادتك لا ترتبط بشيء أو بشخص، في الآخر فأنت مَن تمد الشيء أو شخص بشعور، وأنت مَن تمنحه القوة والسيطرة عليك لا تقف عند أحد، ولتكن أنت سند نفسك ومصدر قوتك، وأن السعادة قرار وحالة نفسية عالية من القبول والرضا وأعود وأتساءل: لماذا نحتاج كل هذه السنين لندرك هذا أم أننا يجب أن نمر بتجارب لتصقلنا وتغيرنا؟

ولو عادت بي الأيام لقرأت أكثر وقرأت روايات كثيراً، وتفاعلت مع الشخصيات، واحتضنت ضعفها واحترمت قوتها، نعم روايات طالما أجّلتها لصالح كتب المعرفة حتى أحيط علماً بكل العالم، ولم أعرف أن أجمل المعرفة ما تحتضنه روح، ولما جعلت موقفاً يؤلمني، لتعلمت لغات أكثر، لتخليت عن قوائم شراء كثيرة، لتخليت عن مخاوف كثيرة ليس لها داعٍ، وعشت يوماً بيوم وخططت لسنوات، لاستمتعت وأنا أمشي بالحديقة بكل شجرة كم مرة مررت من جانب الأشجار ولم أسلم عليها وأتأملها وأشاهد تفاصيلها! كم مرة لم أبتسم لصوت العصافير وحركة الأغصان هذه الثروات من السعادة المعطلة والمغيبة عن تفاعل، وكأنها تحصيل حاصل لمَ لا تستثمرها في رفاهية الروح والانطلاق نحو التجدد؟!

لا أعلم لمَ في هذا العمر لاحت لي فكرة أن أكتب عن تجربتي مع أن أغلب الكتاب يحبون أن يكتبوا بعمر الأربعين؟!

لربما هي هجمة على نفسي جعلتني أرى به عمراً فيه تحول عظيم ومشاعر تستحق الذكر ولربما بالأربعين تتغير قناعات أخرى، أو لا أملك هذا الشعور، ومن الحكمة أن نكسر القواعد بين الحين والحين، ففي أي عمر ستجد به نفسك اكتب عنه، ولا تكن مقلداً، كن أنت وعِش شعورك بأكمله، واملك قرارك، وانطلق، والعمر الحقيقي هو بعدد السنوات التي ترضينا وتسعدنا، والتي تملأنا شغفاً وألقاً وتغييراً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد