لا تضاهي سعادةَ مدام كوثر اليوم -يا رب اوعدنا!- سعادةٌ، فلقد بلغ عدد "الإعجابات" بخبرها الجديد نحو 2050 إعجاباً، وبهذا تكون قد حطَّمت رقمها القياسي للإعجاب على الفيسبوك.
في الحقيقة، الخبر الذي نشرته مدام كوثر لا يمت للواقع بصلة، ولكن من يكترث، فالكل يتسارع لفعل الخير بنشره. الخبر الجبار الذي نال إعجاب الناس يحتوي على وفاة ممثل شهير، ولأن مدام كوثر تحرص كل الحرص على أن تكون مختلفة عن هؤلاء الصعاليك، مطلقو الشائعات، الذين تكرههم بشدة (اللي بوظوا البلد!) كما تلقبهم، أمدت الخبر بمعلومات وهمية عن موعد ومكان الجنازة، فهي توقن أنها قلما ستجد من هؤلاء الخيّرين من يكترث للذهاب. وبعدما تمالكت مدام كوثر نفسها من الفرحة بدأت تقلب في التعليقات التي كان معظمها سبّاً في رجل ظنَّ المعلِّقون أنهم عرفوه لمجرد رؤيته على الشاشة.
إن كان سؤالك: ماذا جنت مدام كوثر من فعلتها هذه؟ فتعليقي سيكون: جنت الكثير؛ أولاً، جنت انتباهاً من عالم وهمي وإن كانت لا تعرف فيه أحداً؛ انتباهاً لم تعرف بوجوده في عالمها الحقيقي، فكل مَن حولها يعيش في عالمه الوهمي الخاص الذي يشغله عن الاختلاط والاندماج بالواقع والآخرين، جنت كذلك إحساساً بالسلطة، فهي المسؤولة و"صاحبة الليلة" في أخبارها، وتجعل الناس يصدقون ما تملي عليهم تصديقه، شعور هو الآخر لم تشعر به منذ أن كبر أبناؤها، ولم تعد تستطيع أن تملي عليهم أوامرها، أما ما لم تجنه مدام كوثر فهو الإحساس بالذنب نحو هذا الشخص الحي الذي فرض عليه أن يدفن "بالحيا"، لمجرد العُقد النفسية لمدام كوثر، فهذا الشخص ممثل، مهنة ستدخله الجحيم على أية حال من وجهة نظرها، ويصح فعل أي شيء في حقه من قبل أصحاب الجنة أمثالها!
لم أر خبر مدام كوثر، لأنها غير موجودة، إنها من وحي خيالي، ولكن ما أكثر كوثر في عالمنا! الحقيقة أن كلاً منا في داخله مدام كوثر صغيرة، تسعى للخروج ونيل القبول من الآخرين، كلٌّ بطريقته، ولعله المحرك الأساسي الخفي غير المعلن التافه لكل العظماء في التاريخ هو "كوثرهم".
هل يعقل أن أكون مدام كوثر أنا الأخرى؟ لا، بالتأكيد لا، لا لا لا… أنا أبعد ما يكون عن مدام كوثر، وكل مدام كوثر عرفها العالم! نعم أعطي لنفسي الحق لتشريح مدام كوثر من وجهة نظري، لكني لا أسعى للشهرة وكثرة الإعجاب، أو ربما أسعى، ولكن بطريقة أكثر مكراً!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.