كتاب الموتى هو كتاب فرعوني يحتوي على أناشيد وأسرار، يوضع مع الميت ليساعده في الحياة الأخرى بعد الموت.
في هذا المقال سأتحدث عن كتاب موتى آخر يحتوي على أسرار الحياة، هذا الكتاب نعرف اثنين بالمائة فقط من أسراره والباقي مجهول غامض.
عندما تموت سوف تقوم البكتريا المحللة بالتخلص منك بالكامل، لكنها ستفشل في تكسير الحمض النووي الذي سيبقى آلاف السنين دون تحلل، هذا الحمض قمنا باستخراجه من المومياوات الفرعونية وتحليله لنتعرف على الخصائص الجسدية لهم وعلى أنساب الأسر الحاكمة وتفرعاتها.
الحمض النووي هو كتاب لازم لكل خلية جسدية فحتى الآن لا نستطيع العثور على خلية حية ليس بها نسخة منه، ولكي أبين لك أهمية هذا الكتاب سأخبرك معلومة بسيطة هي أن العلماء في رحلتهم للبحث عن وجود حياة على الكواكب الأخرى كالمريخ يقومون بالتفتيش عن مركب واحد من ضمن آلاف المركبات في الكائنات الحية، هذا المركب هو الحمض النووي.
لا بد أنك تعتقد الآن أن الحمض النووي هو مركب شديد التعقيد من حيث البنية، لا بد أنه يتكون من مركبات كثيرة، لكن في الحقيقة هذا مخالف تماماً للواقع، فهذا الحمض يتكون من أربعة جزيئات فقط كل منها تسمى نيكليوتيدة، وهي الأدنين والجوانين والثايمين والسيتوزين، هذه البساطة هي التي حيّرت العلماء ودفعتهم للتفكير بأن الحمض النووي ليس هو المادة الوراثية ولا يحمل أي صفات جسدية.
كل كتاب يتكون من حروف، وهذه الحروف تجتمع لتكون كلمات ثم جملاً ثم فصولاً؛ ليتكون لديك في النهاية كتاب كامل يحتوي على كل المعلومات اللازمة للخلية لتقوم بوظائفها الحيوية.
الحروف في هذا الكتاب هي النيكليوتيدات يجتمع كل ثلاثة حروف لتشكيل كلمات من ثلاث حروف تسمى كودون، وكل كودون يشير لحمض أميني معين، وتجتمع الكلمات لتكوين جملة مفيدة، وهي الجين الذي يستخدم لتكوين بروتين معين لازم لأداء وظيفة محددة في الخلية، ثم تجتمع هذه الجينات لتكوين عائلات كبيرة، وفي النهاية تكوين فصل كامل في الكتاب وهو الكروموسوم.
لعلك تتساءل الآن: ما فائدة هذا الكتاب؟ وما هي أسراره؟ ما نعرفه الآن عن الحمض النووي هو أنه يتكون من تتابعات تشكل جينات، وكل جين يتم استخدامه كوصفة لتحضير بروتين معين لازم للخلية، لكن هناك أيضاً بعض التتابعات التي لا تستخدم في تكوين بروتينات، ويعتقد العلماء أن جزءاً منها يقوم بتنظيم عمل الجينات الأخرى لكن يبقى معظمها مجهول الوظيفة.
ربما تبادر لذهنك الآن سؤال هو: إذا كانت كل خلية من خلايا الجسم تحتوي على نفس الحمض النووي كاملاً، فلماذا تختلف الخلايا في التركيب والوظيفة؟
الحقيقة أن هناك عوامل فوق جينية تتحكم في نشاط الجينات أو تثبيطها، فهذه الخلية مثلاً يتم فيها تنشيط الجين (أ) و(ب) و(ج) تثبيط الباقي لكي يلائم ذلك وظيفتها، وهذه الخلية يتم تنشيط الجين (س) و(ش) و(ص) وتثبيط باقي الجينات، وهكذا تتمايز الخلايا عن بعضها.
الآن هل تندهش لو عرفت أننا تشترك مع الشمبانزي في ثمانية وتسعين بالمائة من الحمض النووي رغم الاختلاف الكبير بيننا وبينهم وأننا نحن البشر نشترك مع بعضنا في أكثر من تسعة وتسعين بالمائة من الحمض النووي وأقل من واحد في المائة هو ما يجعلنا مختلفين في الشكل والصفات.
وأن العلماء اكتشفوا فقط 2٪ من وظيفة الحمض النووي والباقي مجهول ينتظر مَن يكتشف وظيفته، والمغزى من وجوده هناك العديد من الأسرار تنتظر مَن يكتشفها، ربما تكون واحداً من هؤلاء.
تعليق الكاتب: يجب أن تفهم هذا المقال جيداً؛ لتتمكن من المتابعة في سلسلتنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.