يبدو أن عمرو الدياب قد عمل بنصيحة الستاموني في فيلم الكيف حين اشتكى لمزجانجي "محمود عبد العزيز" بأن شعراء اليومين دول قد غنوا لـ"العيون والرموش والبُق والشعر"، على حد قوله، وأهملوا الغناء لأعضاء أخرى في جسم الإنسان كـ "القفا".
بل ذهب عمرو الدياب لأبعد من ذلك بكثير، فلم يغني لأعضاء في جسم الإنسان فحسب، بل غنى لأبراج الحظ كبرج الحوت، الأمر الذى أثار ضجة إعلامية وجدالاً على منصات التواصل الاجتماعي بعد صدور ألبومه الجديد "معدي الناس"، فلمَ الاستغراب عزيزي القارئ فقد فعلها من قبل وغنّى لكائنات أحادية الخلية كالأميبا وأمراض كالبلهارسيا؟! نعم فلمَ الاستغراب!
البلهارسيا
الأميبا
عثرت علي هذه الفيديوهات النادرة بمحض الصدفة أثناء تصفحي اليوتيوب وبمجهود بحثي صغير علمت أنها كانت مجموعة أغانٍ لسهرة تلفزيونية قديمة باسم "مش معقول" غنّى فيها عمرو الدياب "التتر" أيضاً.
ياصم صم
كانت سهرة تليفزيونية تناقش مشاكل الثانوية العامة التي كانت وما زالت غصة فى حلق جميع الأسر المصرية، كان عمرو دياب فى بداية حياته الفنية، وكانت هذه الأغاني ضمن أحداث السهرة؛ حيث كانت بمثابة طريقة إبداعية جديدة توصل لها الفنان حسن عابدين بطل تلك السهرة لتبسيط المناهج على الطلاب المتعثرين، لم نكن نعلم أنها بداية اللعنة، فقد اتبع كثير من المدرسين في وقتنا الحالي نفس الأسلوب، ولكن بأسلوب فج في مراكز الدروس الخصوصية وبعض الشوادر التعليمية، إن صح الْقَوْل.
ولكنهم خرجوا علينا هذه المرة بطريقة المهرجانات الشعبية، فقد شاهدت فيديوهات لبعض المدرسين تقوم بتلقين المناهج للطلبة بطريقة فجة تُفقد المهنة هيبتها والصوره المهيبة التي رسمناها لمدرسينا يوماً ما، ما كل هذا الهراء بـ"الهاء"!
ماذا حدث للتعليم في قطرنا المصري؟!
أزعم أن مواليد جيلي في الثمانينات هو الجيل الذي قد رشف آخر ملعقة للتعليم شبه الجيد بعدها تحولت وزارة التربية والتعليم إلى وزارة امتحانات فقط في نهاية العام، فلا أحد يبالي بالحضور المنتظم لتلقي التعليم داخل أسوار المدرسة، أصبحت المدارس تشكو هجر الطلاب لها طوال العام، فالكل يختصر الوقت والمجهود ويعلم طريقه لمراكز الدروس الخصوصية.
أعود لأسأل نفسي من جديد: كيف ومتى ينصلح حال تعليمنا؟
أخذت عهداً على نفسي أمام أُمي بأني لن أتناول السياسة مجدداً في مدوناتي على أن لا أشكو أو أهجو أياً من القائمين على رأس الدولة أو القائمين على صناعة القرار في العملية التعليمية بالدولة.
كنت أودّ يوماً أن أبعث برسالة للرئيس أشكو له فيها حال التعليم لأكتب في صدرها:
"سيدي الرئيس.. راعِ العلم والعلماء"، ولكنه لم يعطني الفرصة لذلك حين صرح في أحد مؤتمرات الشباب:
"ينفع التعليم في إيه مع وطن ضايع؟" جملة أصابتني بالإحباط واليأس حين وقعت على مسامعي، كيف أشكو إليه وهو لا يستجدي النفع من التعليم في وطننا!
التعليم سيدي الرئيس يفعل الكثير…
على سبيل المثال لا الحصر:
مكافحة الإرهاب الذي لطالما ناديت بمحاربته، فالحلول الأمنية هي آخر خط دفاع لأمن الأوطان سيدي الرئيس، فلن تحمي كنائسنا ومساجدنا البوابات الإلكترونية والكمائن، التعليم هو الحل الجذري لهذه المشكلة لتشكيل العقل الواعي حتى لا يصبح فريسة لهذه الجماعات المتطرفة للتلاعب به.
التعليم الجيد يجعلنا لا نصدق يوماً من خرج علينا فى الإعلام يوماً ليغنى لـ"الإيدز" ومرضى الكبد أيضاً، زاعماً أنه يستطيع بجهازه العجيب الذي يحوي بداخله حجراً مكياً -نعم حجر مكي- قادر على شفائك من مرض الإيدز وأي مرض مستعص.
أعترف بأني في أول أيام الإعلان عن هذا الاختراع وبفعل التطبيل والغناء المستمر له في الإعلام قد صدقت الكذبة؛ لعدة أيام ربما لتعليمي الهش أيضاً الذي لاقيته لست أدري، ولكني سرعان ما تراجعت عن تصديقه وآمنت فقط بأنه كان مجرد وهم قد بِيعَ للبسطاء يوماً ما.
أشعر بالخجل من نفسي كلما تذكرت بأني صدقت يوماً ما ولو للحظات تلك الكذبة؛ لأتذكر ذلك الإفيه الشهير للفنان حسن مصطفى في مسرحية مدرسة المشاغبين قائلاً:
"بقى ابنك انتاااا… يضحك عليا أنااااا… ويبعلي البتاع ده هو.. ويقولي إنه بيعالج الإيدز!".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.