أُسطورة الإعلام الحياديّ

هل سمعتم يوماً بجهة أو منصة إعلامية قالت إنها حيادية غير أولئك المنظّرين الذين يدْعون بضرورة الحياد في وسائل الإعلام ويتهمونها بالضلال والتضليل ويستشهدون دوماً بما قاله أدولف هتلر: "أعطِني إعلاماً بلا ضمير أُعطكَ شعباً بلا وعي"!

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/11 الساعة 07:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/11 الساعة 07:24 بتوقيت غرينتش

هل سمعتم يوماً بجهة أو منصة إعلامية قالت إنها حيادية غير أولئك المنظّرين الذين يدْعون بضرورة الحياد في وسائل الإعلام ويتهمونها بالضلال والتضليل ويستشهدون دوماً بما قاله أدولف هتلر: "أعطِني إعلاماً بلا ضمير أُعطكَ شعباً بلا وعي"!

ويعلّقون تلك المقولة النازيّة في اتهاماتهم الطائشة على الإعلام الذي لا يعجبهم.
على الأغلب لم نسمع بغيرهم يتحدث عن الحيادية، كلامهم فضفاض في السماء ففي الأرض إعلام آخر.

بدايةً ما هي الحياديّة؟
في معجم اللغة العربية المعاصرة نجد أن الحيادي: اسم منسوب إلى حياد: غير متحيّز، غير متحالف مع أيّة دولة أخرى أو كتلة أو جبهة ما، أو أشخاص متخاصمين.

هذا يعني أنك حتى إذا تحالفت وعبّرت عن الشعوب ستكون منحازاً، لكتلتهم وجبهاتها وستخرج من دائرة مصطلح الحيادي.

قال قائلهم: الحيادية هي في نقل الخبر فقط أما كيفية تناوله فلا دخل للحيادية في الأمر.

صحيح.. لكن كلّ شخص يرى الخبر من وجهة نظره ومن خلفيته الفكرية أو الثقافية أو الدينية فلا يمكن أن يجتمع الخبر كما هو في عقل كل ناقل.

على مر تاريخ الإعلام في العالم كانت وسائله تدعم صانعيها، وغالباً ما كانت تُؤسس لأجل فكرة أو قائد أو حكومة أو أي شيء قد لا يظهر لك ما وراءه إلا بعد أن يُحقَّق الهدف الذي أُنشئت من خلاله هذه الوسائل.

أنت حينما تُنشئ أي مشروع لا بد أن يكون مبنياً على رؤية وهدف وإلا لأصبح عقيماً لا فائدة منه ولا عائد.

فيستحيل أن تكون هناك جهة إعلامية بدون رؤية واضحة على الأقل لك، وهذه الرؤية في مضمونها تُمثل عدم الحيادية؛ لأنها استخدمت انحيازاً لفكرة ما أو هدف، وهذا حق مشروع للجميع.

وكما قال المناضل الأميركي مالكوم إكس: "الرجل الذي لا يقف إلى جانب شيء سيقع لأي شيء".

لكن ما جعل الحق غير مشروع في هذا الوقت أن الأهداف السامية والنبيلة تتعارض مع عدوّتها الخبيثة، فبالتالي أصبح الجميع ينادي بإعلام حيادي كجدار اسمه إعلام يُدق فيه مسمار الحياد، ويُكسر هذا المسمار لكثرة ضربه في جدار لا يقبله، ولن يكون يوماً ضيفاً عليه.

ليس من حق أي شخص في أي مكان أن يزعم أن هناك إعلاماً حيادياً وإن غلّظ لنا الأيمان.

نهايةً دافِع عن فكرتك المتحيزة التي تؤمن بها دفاع المستبسل في معارك حامية الوطيس، ولا تدافع عن الحياديّة الأسطورية التي ينادي بها أولئك الذين يستحون من الاعتراف بأفكارهم المسمومة خوفاً من أن تلعنهم شعوبهم، وأكّد على ذلك المفكر التركي جميل مريتش: "الحياد هو انعدام الشرف، أنا منحاز للحقيقة".

ستفقد إنسانيتك البشرية التي تؤمن بشيء ما حتى وإن كان إلحاداً، فالإلحاد إيمان به.

إذا حاولت الدفاع عن الحيادية ستنضم إلى ركب المنافقين أو سمِّهم المطففين بالحيادية الذين إذا اكتالوا بها استوفوا خبثهم وخيانتهم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد