قال أنس رضي الله عنه : قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر.
ورُوي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: دخل عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنّيان بدفّين بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش، وتسجّى بثوبه، وحوّل وجهه إلى الجدار، وجاء أبو بكر فانتهرهما، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فكشف النبي وجهه، وأقبل على أبي بكر، وقال: دعهما يا أبا بكر، إن لكل قومٍ عيداً، وهذا عيدنا.
وورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أحمد قوله: (إنها أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى).
في كل هذه الأحاديث الواردة لا يظهر إلزام المسلمين بالفرح في العيدين (الفطر والأضحى).
والحديث المتفق عليه الذي يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، حديث يحمل وصفاً أكثر مما يحمل ندباً واستحباباً. ولو حمل ندباً واستحباباً فإنما يحمله في حالة السعة والرخاء.
أما أن تكون الأمة تُباد وتقتل شرقاً وغرباً، ثم نحدّث الناس عن فرض أو ندب الفرحة عليهم يوم العيد، فهذا ما يخالف المنطق السليم والبصيرة الراجحة.
لو ورد نص قرآني أو نص نبوي، بحيث يكون النص واضحاً صريحاً قاطعاً، لما وسع المؤمنين إلا أن يقولوا: سمعنا وأطعنا. ولجعلوا عقولهم وفهومهم تحت أقدامهم.
فلا عمل للعقل حين القطع بالنقل إلا الإذعان والتسليم، والتفكير للتأييد والتدليل.
أما إن غاب النقل القاطع، فإن للعقل ساعتها أن يقول قولته، مهتدياً بالأُصول الكليّة، والنصوص العامة، وكذلك الخاصة القريبة المشاكلة والمشابهة.
ظاهر تشريع العيد في الإسلام أنه يوم للفرحة واللهو وذكر الله، ولكن لا يلزم المسلمين ذلك.
وخصوصاً إذا ما ألمّ بالأمة خطب عام يستدعي إخفاء مظاهر الفرحة، مراعاة لحال المنكوبين هنا وهناك.
صحيح أن نكباتنا كثيرة، ومصائب الأمة تترى مصيبة بعد مصيبة، لكن الأولى سيظل دائماً، أن تكبح الأمة المسلمة في أقصى الغرب جماح فرحتها من أجل حال إخوانها في أقصى الشرق، وأن تتألم الأمة في أقصى الشرق لمصاب إخوانها في أقصى الغرب.
وفي ذلك يأتي النص النبوي الصحيح الصريح الذي رواه مسلم، والذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ).
إذا ما اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولم يشغله عن ذلك شاغل، ولا حتى فرح بعيد.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين.
وهذا صحيح في العموم؛ لأن الفرح ساعتها فرح بفضل الله في التشريع، وفرح بتمام عبادة.
صحيح في العموم إلا أن يعرض عارض، فيصبح إظهار الفرح حينها والمبالغة فيه هو من السفه المكروه.
كيف تفرح الأمة وتظهر فرحتها وهي بهذا الحال من الضعف والهوان والذلة، الذي لا نبالغ إذا قلنا فيه كما قلنا من قبل (إنه زمان الوهن الأكبر في تاريخ الأمة كله)؟!
كيف تفرح الأمة وتظهر فرحتها ومقدساتها تقتحم كل يوم من اليهود في فلسطين، ويُقتل المسلمون على أعتابها؟!
كيف تفرح الأمة وتظهر فرحتها وسوريا والعراق قد تحولتا إلى بلاد للقتل والذبح والتفجير والفتنة والدمار؟!
كيف تفرح الأمة وتظهر فرحتها واليمن وليبيا ومصر على حالها؟!
كيف تفرح الأمة وتظهر فرحتها والإبادة تعمل في مسلمي الروهينغا في أراكان ليل نهار؟!
كيف تفرح الأمة وتظهر فرحتها وهي في زمان الانبطاح التاريخي أمام الأعداء شرقاً وغرباً؟!
شُرعت الفرحة للأمة المسلمة في أعيادها، ولكنها لم تُفرض عليها، وإذا كان الظاهر أن الفرحة مندوبة حينها، فإن الاهتمام بأمر المسلمين مفروض وليس مندوباً، والتألم لإيلامهم ومعايشة حالهم من أفرض الفروض.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.