في خضم التطور التكنولوجي والظهور المهول والمتزايد لمواقع للتواصل الاجتماعي، أُتيحت للجميع ممن ولجوا هذا العالم الافتراضي فرصة التعبير عما يجول بخاطرهم والإفصاح عن آرائهم في كل موضوع أكان مثيراً للجدل أم لا.
ففكرة "جدار الفيسبوك" مثلاً كانت مناسبة للعديدين ممن اتخذوه مساحة للتدوين ومشاركة الآخرين أفكارهم وخواطرهم بشكل يومي ومستمر، إضافة إلى أنه فتح المجال للتنديد بمجموعة من السلوكات والأحداث التي تطال الحياة اليومية للمجتمع التي لا تلقى استحسان أفراده، بل تثير غضبهم، فيعمدون إلى خلق شعارات على شكل "هاشتاغ" يتداوله كل من أراد الحديث حول هذه الظاهرة يعبر من خلاله عن عدم قبوله ورفضه واستنكاره لما يحدث.
كما أنه في أحيان أخرى قد يكون لغرض التشجيع و إن كان هذا الأمر قَلَّما يحدث في أوطاننا العربية، والأمر في نظري يعزى لسببين: أولهما كثرة الأحداث المخيبة للآمال غير الهادفة، والجالبة للحسرة والخيبة، أما ثانيهما الافتقار لثقافة الشكر والتشجيع والدفع بالآخر نحو الأفضل؛ إذ لا زلنا أفراداً نحاسب الآخر بل ونلومه على نجاحه في حين نحن لم نحرك ساكناً.
أعود للحديث عن "جدار الفيسبوك" هذه المرة مشيرة إلى المواضيع الأكثر تداولاً والإثارة للجدل فيه، وإن كانت تدوينة واحدة لا تسعفني للتطرق لجميع المواضيع، إلا أنني سأشير لواحد من بينها والذي أراه أخذ قياساً أكبر من حجمه الطبيعي الشيء الذي قد يؤدي في بعض الأحيان لأن تأخذ الأمور منحى معاكساً، وتأتي بنتيجة غير تلك التي كانت مرجوة، فكثيراً ما نصادف عناوين تصب في قضية المرأة، هذا الموضوع الذي لقي إقبال العديدين وهم يصفون ويشيرون إلى الإكراهات والصعوبات والسوء الذي تقابله، سواء أكانت خارج المنزل أم داخله.
صحيح أنها ظواهر اجتماعية محضة نعيشها بشكل شبه يومي تقريبا، إلا أن معالجتها والبحث في سبل إيجاد حلول لن يكون عن طريق وضع عنوان يشد الانتباه أو من خلال التنافس حول عدد اللايكات والتعليقات.
حقيقية لا أرى في هذا إلا مضيعة للوقت والإفادة، إذ لا يمكن التغيير من سلوكات أفراد ما عبر خلق الهاشتاغ أو كتابة مقال ما، فنحن بهذه الطريقة لسنا إلا نوجه بأصابعنا وننبه حول ظاهرة ما، وإذا كانت هذه الطريقة في بعض الأحيان تلقى نجاحاً، ويستطاع بها إرجاع الحق لصاحبه، ففي كثير من الأحيان تذهب سدى وسرعان ما تمضي الأيام ونعود نسمع مرة أخرى عن نفس الأمر، بل وأكثر بطشاً.
إنه لأمر جميل أن تتاح للمرء فرصة للتعبير عن رأيه بكل أريحية وحرية، إلا أن الأمر لا يستلزم فقط حبراً وورقة بقدر ما يستلزم معرفة وإدراكاً جيداً للموضوع، فعلى المتحدث أن يكون ملماً وعلى اطلاع بجميع حيثيات الموضوع إن لم يكن أغلبها، كما أن مفردات كلامه يجب أن تختار بعناية قصوى، فهو بهذا يكون منبعاً لفكرة ما لا يدري بأي لب ستستنير، وإن كان غير هذا فالصمت أبلغ من أي كلام سيقال في غير موضعه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.