أمي

أستاذ المدرسة قال لنا ذلك، وشيخ الجامع أكد لنا هذا اليقين، وكبار السن أطلقوها قولاً واحداً وبلهجتهم "المرة ما لها إلا بيتها"، وحتى الشارع في حديثه إن قدّس المرأة فهو في حدود بيتها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/11 الساعة 03:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/11 الساعة 03:51 بتوقيت غرينتش

في أعالي جبال السروات وفي مدينة الطائف نشأت وترعرعت وكبرت.

في بيئة يغلب عليها طابع البداوة على المدنية عشت.
منذ الصغر لم نكن نرى من المرأة إلا سواداً يكسوها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها.
ومنذ الصغر كان يقيناً لا شك لنا معه أن مكان المرأة منزلها دون غيره.

أستاذ المدرسة قال لنا ذلك، وشيخ الجامع أكد لنا هذا اليقين، وكبار السن أطلقوها قولاً واحداً وبلهجتهم "المرة ما لها إلا بيتها"، وحتى الشارع في حديثه إن قدّس المرأة فهو في حدود بيتها.

كنا في أعنف القتالات ونحن أطفال نقول: "إلا الأم والدين".. كنا إذا رافقنا أماً أو أختاً كأنما على رؤوسنا الطير؛ فلا التفات ولا حديث ولا سلام؛ وكأنما هي عبء ثقيل نشعر مع انتهائه بسعادة غامرة وفرحة كبيرة.

لا يتجرأ فينا أحد فيذكر أمام أعز أصدقائه أو قرابته اسم أُمه أو أخته، هذا إن علمه أساساً.

أخبرنا شيخ أن صوت المرأة عورة، وحذرنا آخر من أن كشف الوجه حرام، ونبهنا ثالث إلى عدم جواز إظهار المرأة ليديها.

كانت تحكمنا يا أمي عادات تجعل من العيب والنقص أن نحضر زفاف أختنا، وما زالت موجودة عند البعض للأسف.

هكذا يا أمي كانت طفولتنا وفتوتنا وشبابنا، وكان مجتمعنا في ظاهره يعتقد أن ما نقوم به إنصاف وعدل للمرأة؛ أما في باطنه فيدور ألف سؤال وسؤال لماذا؟ وهل يعقل؟ وكيف؟!

لكن أن نموت ويموت السؤال فينا أهون من أن يرى النور!

ومن امتلك شجاعة واشتعل عزماً واتقد حماسةً وسأل؛ كان من دعاة التحرير الذي هم دعاة على أبواب النار.

فكان الخوف يتملكنا تارةً، والحياء يسيطر علينا أخرى.

أمي.. هذا المجتمع الذي نشأنا فيه هو معتدل مقارنة بمناطق أخرى كنا نسمع عنها العجب.

لم نعتَد يا أمي أن نرى امرأة متحدثة أمام رجال، ولا أخرى تقارعنا المجد والنجاح.

كل ما سبق يا أمي جعلنا نعتقد أن مَن نال من امرأة وشرفها فقد نال من عظيم، وأصاب في مقتل وحقق ما لم يسبقه إليه غيره؛ ما جعل كل إساءة قلم ظالم في حقك أو كلمة نطق بها فم معتدٍ آثم إنما كانت جرماً وخطيئة في حق منظومة أخلاقهم وقيمهم.

أما أنت يا أمي فشواهد أعمالك تسبق ساقط كلامهم الذي لا تفسير له إلا عجز عن فهم لدور لم يعتادوه ولن يستوعبوه.

كلماتي هذه يا أمي ليس لها مداد من حبر وورق، بل إن مدادها مشاعر أكنّها ويكنّها كل مَن عاش على هذه الأرض المباركة.

الشيخة موزا بنت ناصر المسند، سيدة العلم والتعليم، امرأة عصيّ على كثير فهم رقيّها وعلو شأنها، لست بصدد ذكر إنجازاتها ومآثرها، فجولة واحدة على شبكة الإنترنت تخبرك عن عظيم أفعالها وتنوّع أعمالها.

ختاماً.. أقولها فخراً وعزاً وشرفاً "أمي".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد