نعم إنها ضيف جديد على العائلة، فتاة جميلة، بسمة المنزل وفرحة والديها وعكازهما في الكبر.
ومنذ اللحظة الأولى لولادة البنت، تولد أحلام الأم بأن تراها عروساً في الفستان الأبيض بيد عريسها صاحب النصيب السعيد، وتبدأ بالدعاء "يا رب أشوفك عروس"، "يا رب أفرح بيكي يا ماما"، "الله يبعت لك ابن حلال يهنيكي ويسعدك"، وطبعاً تترافق أدعية الوالدة مع أدعية الجدة والجد والخالة والعمة والجيران وجيران الجيران.
وتكبر هذه الفتاة وتكبر هذه الأفكار في الوعي واللاوعي، وتربط سعادتها بالزواج، وبالرجل، وتعتقد أنها ستكسب كل الدنيا فقط بزواجها، وعندما يتلألأ المحبس في إصبعها، وتحلم ليل نهار باليوم الذي ستزف فيه عروساً جميلة بفستانها الملكي الأبيض ويوصلها والدها الحبيب إلى عريسها الرجل الفارس الذي سيحقق لها كل أحلامها وسعادة ما بعدها سعادة.
وتكبر وتتعلم وقد تكون مميزة في عملها ودراستها ومحبوبة بين أهلها وأصحابها، ولكن يبقى حلم الزواج أولوية لا يسبقه أي حلم آخر.
وتبلغ العشرين وإليكم رحلة العشرينات حتى الثلاثين، رحلة صعبة وكأن الفتاة في سباق مع الزمن، وعليها أن تبحث عن عريس وتظفر به قبل أن تصل إلى العمر الخطر وتصبح على أبواب العنوسة.
تتزوج صديقتها "الأنتيم" وتخطب بنت عمها وبنت خالتها وبنت عمتها وبنت الجيران ورفيقتها في المدرسة عندما كانا معاً في الحضانة. وهي عريس بعد عريس ولا يتم النصيب ولم يأتِ بعد الفارس على حصانه الأبيض وهي ما زالت تنتظر وتدعو "يا رب زوّجني.. يا رب".
وفي هذه المرحلة تكثف الأسرة دعواتها وتقيم الأم الليل تدعو لابنتها بأن تتزوج، "بدّنا نفرح"، وتبدأ النصائح تنهال على الفتاة من كل حدب وصوب، "انتِ ما بيعجبك العجب"، "ما في حدا كامل"، "هيدّي آخر فرصة"، وبسبب هذه الضغوط وإن لم تحُط بالفتاة آراء حكيمة تصوب اختيارها قد تدفع الثمن حياتها كلها.
وحالة اكتئاب جماعية تسيطر على العائلة وعلى تلك الفتاة المسكينة نتيجة أفكار غُرست في عقلها وتضيع أحلى سنين عمرها وهي تنتظر ما ليس بيدها بل بيد رب العالمين الذي يعلم الأفضل لها.
للفتاة أقول انطلاقاً من تجربة شخصية:
لا تعلّقي سعادتك بأحد، لا رجل ولا بغيره بل اجعليها تنبع من ذاتك وروحك وعقلك وقلبك، علّقيها بنفسك فقط.
الإنجاز الحقيقي ليس بأن تتزوجي بل أن تتزوجي من الشخص المناسب، فاجعلي قرار الزواج مرتبطاً بأن تجدي رجلاً حقيقياً تتوافقين معه على أسس الحياة. وهذا الرجل قد تلتقين به في العشرين أو في الثلاثين أو حتى في الأربعين. فعزباء تعيش حياة تريدها وتحبها أفضل بكثير من متزوجة تعيش حياة الآخرين، فالعبرة ليست بلقب زوجة بل زوجة مَن.
لا تتزوجي قبل أن تحددي هدفك في الحياة وما الذي يناسبك أنت ويسعدك أنت لتتحملي مسؤولية خيارك.
عيشي كل لحظة من عمرك، استغلي كل دقيقة عزوبية بالعمل والاجتهاد والخير وثقلي روحك بالمهارات والعلم والثقافة واصنعي لنفسك كياناً مستقلاً وشخصية مميزة، وتعلمي أن تكوني فتاة قوية تستمد قوتها من حسن التوكل على رب العالمين فهو سندك الوحيد، خاصة في تلك الأيام التي قلّت فيها المروءة والنخوة ولا تبني الكثير من التوقعات على رجل المستقبل بل اجعليها ضمن المعقول؛ كي لا تصدمي بالواقع، فالرجل ليس الفانوس السحري.
حقّقي توازناً داخلياً وقسّمي حياتك إلى حقائب، حقيبة الزواج والأسرة، حقيبة العمل، حقيبة العلم، حقيبة الأهل والأصدقاء، وطبعاً لا تنسَي حقيبة السفر وبهذه الطريقة تبقين قادرة على مواصلة الطريق عند حدوث خلل في أي من تلك الحقائب.
الرضا ثم الرضا ثم الرضا، ارضَي بما كتبه الله، إن تزوجت فهو خير وإن لم تتزوجي فهو خير، لا نعلم حكمة الله وكيف يخطط لنا حياتنا، الرضا حياة عزيزتي.
عفّي نفسك ولا تمنحي مشاعرك لمن لا يستحقها، أعلم أن هذا الأمر ليس بالسهل في أيامنا ولكنك غالية، أغلى من متعة آنية مع شخص ربما يكون غير جدير بك ولا تثقي بوعود كلامية من أحد بل ثقي بأفعال حقيقية، ولا تتنازلي عن مبادئك وقيمك ودينك لتتزوجي، لا تتركي سعادة الدنيا والآخرة من أجل مشاعر هي بيد الله، غير ثابتة، وقد تكون غير حقيقية.
لا تصدقي من يقول لك: "هذه آخر فرصة"، هذا الكلام عند البشر أما عند الله لا توجد فرصة أخيرة، الحياة مليئة بالفرص والعبرة بالنوعية وليس بالكمية، كما أن كرم رب العالمين لا حدود له، وتيقني أن الله سيكرمك، إن تزوجت سيكرمك برجل حقيقي، وإن لم تتزوجي سيعوضك بالخير الكثير بما يختاره لك.
دعاء أحبه تعلمته من معلمتي رحمها الله: "اللهم خِر لي واختَر لي"، ردّديه دائماً وتأكّدي أن كل شيء بأوان ومكان، فاسعدي واطردي الأوهام والأحزان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.