من الوادي إلى الأفق

سيدي الخليل: كلما أغمضتَ جفنك وتذكَّرت مصاعب الحياة التي مرت عليك؛ من مجابهة النمرود إلى محاولة حرقك بالنار ورميك بالمنجنيق، مروراً بحوارات والدك وخفقة قلبك يوم طلبتَ من الله أن يريك كيف يحيي الموتى.. وأيام ارتحالك للشام والعراق ومكة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/09 الساعة 04:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/09 الساعة 04:18 بتوقيت غرينتش

يذكر ابن الجوزي أن من الناس من يُذكر بالخير مدةً مديدةً ثم يُنسى، ومنهم من يُذكر مائة سنة ثم يَخفى ذكرُه وقبره، ومنهم أعلام يبقى ذكرهم للأبد… ا.هـ.

كحالك أنت.. ذات أشواق.. رغبتَ ألا تمر على هذه الأرض مرور العابرين، فقلت وكلك رجاء: "واجعل لي لسان صدق في الآخِرين".
وكان لك ذلك.

سيدي الخليل إبراهيم، وأنت هناك في العالم البعيد، أتذكر عندما انتهيت من بناء البيت ورفعت صوتك بوادٍ غير ذي زرع؟

كان التعب قد أخذ منك مبلغاً، أمرك الله أن تنادي الناس للحج، بمكان موحش ليس فيه بيت واحد.

سألتَ الله: وما يبلغ صوتي؟! فتكفل الرب بالبلاغ..
سلّمت للأمر وناديت.. ربما كنت خائفاً أو فرحاً، لا أدري، لكنك كنت واثقاً بأن صوتك سيبلغ الآفاق.

كان "التسليم" فصّاً مشعاً في جوهرك، ولم يدر في خلدك يومها أن أمة من الأمم ستقصد الوادي بـ2 مليون كل عام، وشعيرة اسمها الحج ترتبط أفعالها بخطواتك، من رمي الجمار.. إلى الأضحية.

سيدي الخليل: كلما أغمضتَ جفنك وتذكَّرت مصاعب الحياة التي مرت عليك؛ من مجابهة النمرود إلى محاولة حرقك بالنار ورميك بالمنجنيق، مروراً بحوارات والدك وخفقة قلبك يوم طلبتَ من الله أن يريك كيف يحيي الموتى.. وأيام ارتحالك للشام والعراق ومكة.

ثق بأنك أخذت مكاناً واسعاً في نفوس المسلمين، وأن أمةً تذكرك وتشتاق إليك، وتحنُّ إلى وصْفك الرهيب يوم بعثتَ تحاياك وعصارة خبرتك مع نبينا محمد ووصفت لنا ما أعدَّه الله:
"يا محمد، أقرئ أمتك السلام، وأخبرهم بأن الجنة عذبة الماء، طيبة التربة، وأنها قيعان، ‏وأن غراسها: سبحان الله، والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

"عذبة الماء"، وكأنك تذكر نبع زمزم!
"طيبة التربة"، عيناك تسترجعان جبال مكة وقساوتها!
"غراسها سبحان الله…"، وشريط الوادي غير ذي زرع باقٍ في خيالك!

ونحن من ذاك اللقاء نردُّ السلام عليك كل صلاة ولم نوفّ.

سيدي الخليل إبراهيم: أودُّ أن أخبرك وأنت مسندٌ ظهرك للبيت المعمور
كعبة السماء الذي يزوره في اليوم (سبعون ألف) ملك
تحته كعبتك التي رفعتَ قواعدها وكأنها نواة تلتحم بها المدارات
يدخل دينك ودين ابنك محمد صلى الله عليكما وسلم
(سبعون ألف) نسمة كل عام

فبثمرة تسليمك أمانيك قد صيَّرها الله حقائق وخطواتك باتت مناسك، ولسان الصدق باقٍ ما بقيت الكعبة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد