بعد قصف منشأة عسكرية داخل الأراضي السورية.. هآرتس: هل أطلقت إسرائيل النار على قدميها؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/08 الساعة 16:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/08 الساعة 16:45 بتوقيت غرينتش

يُعَد مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري هو الاسم الرمزي لصناعة الأسلحة السورية غير التقليدية. ويرأس المركز، المعروف أكثر باختصاره الفرنسي "CERS"، جنرالٌ سوري. وهو أيضاً مسؤول عن مصانع الأسلحة الكيماوية السورية، التي تفيد تقارير بوجودها في 3 مواقع مختلفة؛ اثنان بالقرب من دمشق، والثالث بالقرب من مدينة مصياف شمال غربي سوريا، التي تبعد نحو 70 كيلومتراً فقط من قاعدة حميميم الجوية الروسية قرب اللاذقية، وفق تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية.

ووفقاً لتقارير سورية رسمية، هاجمت الطائرات الإسرائيلية مركز الدراسات والبحوث العلمية من داخل الأراضي اللبنانية في وقتٍ مبكر من صباح الخميس، 7 سبتمبر/أيلول. ولا توفِّر التقارير تفاصيل إضافية بشأن الأضرار التي لحق بالمنشأة أو ما الذي كانت تقوم به المنشأة.

لكنَّ بياناً رسمياً ذكر أنَّ الهجوم كان يهدف لرفع الروح المعنوية لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الوقت الذي يعانون فيه خسائر كبيرة في القتال حول دير الزور. وبحسب نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، لم تنشئ إسرائيل داعش فحسب، بل وقدَّمت له المساعدة في العمليات الأخيرة أيضاً.

وليس من الواضح تماماً ما إذا كانت تلك المنشأة، التي كانوا يُصنِّعون فيها صواريخ وقذائف مدفعية طويلة المدى، مستمرة في تصنيع قذائف الأسلحة الكيماوية. لكن إذا كانت إسرائيل تعرف بشأن عمليات إنتاجٍ كتلك في المنشأة، فإنَّه ما من شك في أنَّ الولايات المتحدة وروسيا تعلمان بشأنها أيضاً.

وبحسب مجلة نيوزويك الأميركية، لا تُعتَبَر المنشأة العسكرية القريبة من مصياف، في محافظة حمص السورية، قاعدةً عادية. إذ تعتقد وكالة استخبارات غربية ومجموعات مراقبة أنَّ بشار الأسد يُطوِّر فيها مخزوناً من الأسلحة الكيماوية، في انتهاكٍ لالتزام النظام السوري باتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية في 2013.

وبحسب نيوزويك، تعمل القاعدة كفرعٍ لمركز الأبحاث والدراسات العلمية السوري، وهو وكالة تابعة للحكومة. وتزعم تقارير ألمانية أنَّ هذا هو الموقع الذي يُصنَّع فيه غاز الأعصاب VX، بالإضافة إلى غاز السارين، وغاز التابون الذي يُعد أقوى بثلاث مرات من السارين.

ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إنَّ الموقع يتضمَّن أيضاً صواريخ، وإنَّ إيران وحزب الله اللبناني، وهما حليفان رئيسيان للأسد وعدوان لدودان لإسرائيل، لديهما تواجد في القاعدة، وذلك وفقاً لنيوزويك.

ونقلت المجلة عن عاموس يلدين، رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية السابق، قوله إنَّ القاعدة "تنتج أسلحةً كيماوية وبراميل مُتفجِّرة تقتل الآلاف من المدنيين السوريين".

وينفي نظام الأسد هذه المزاعم، مُجادِلاً بأنَّ قاعدة مصياف تُمثِّل مجرد معهدٍ مدنيٍ للدراسات، ولا تُستَخدَم في استلام شحناتٍ إيرانية أو في تطوير أسلحة كيماوية. لكنَّ وكالة استخباراتٍ غربية لم يُكشَف عنها أرسلت وثيقةً لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في مايو/أيَّار الماضي تدَّعي أنَّ الأسد مستمرٌ في إنتاج ذخائر كيماوية وبيولوجية في الموقع، وذلك حسبما ورد في نيوزويك.

ويمكننا افتراض أنَّ إسرائيل قد أبلغت واشنطن قبل الهجوم وحصلت على الموافقة اللازمة.

ولم يكن هذا بالطبع هو أول هجوم جوي إسرائيلي مزعوم في الأراضي السورية. لكنَّ التوقيت مثيرٌ للاهتمام إلى حدٍ بعيد. إذ يأتي بعدما هدَّدت روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرارٍ لمجلس الأمن يصف حزب الله باعتباره تنظيماً إرهابياً، وبعد فترة وجيزة من لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية، وهو اللقاء الذي عاد نتنياهو منه دون أي التزام روسي بتحقيق أي انسحاب إيراني من الأراضي السورية.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنَّ التزام روسيا بالمصالح الأمنية الإسرائيلية لن يلحقه أي ضرر نتيجة إقامة مناطق تخفيض التصعيد في سوريا.

لكنَّ التفسير الروسي لمعنى إلحاق الضرر بالمصالح الأمنية الروسية ليس هو بالضرورة نفس التفسير بالنسبة للجانب الإسرائيلي. فبالنظر إلى اعتبار إسرائيل وجود قوات حزب الله في سوريا تهديداً لها، فإلى أي حدِ إذا تعتبر إسرائيل وجود القوات الموالية لإيران والمنتشرة بالقرب من الحدود الشرقية لإسرائيل في مرتفعات الجولان، فضلاً عن المنطقة القريبة من درعا جنوبي سوريا، خطراً أكبر؟

وفي الوقت نفسه، ستجد روسيا -التي لا تُصنِّف حزب الله باعتباره تنظيماً إرهابياً- صعوبة في إجبار الحزب على الخروج من لبنان. ومَردُّ هذا بالأساس هو موقف إيران التي تنظر إلى حزب الله باعتباره أساساً ضرورياً للحفاظ على نفوذها في لبنان، وأيضاً كقوة تكتيكية مهمة في الحرب السورية. وبخِلاف الوضع في لبنان، التي تحتاج إيران فيها لحزب الله لإرغام الحكومة اللبنانية على فعل أمور معينة عند الضرورة، فإنَّ نفوذ إيران على نظام الأسد مباشر ولا تحتاج لأي وسطاء.

وتدرك روسيا، التي عملت على الحد من حرية عمل إيران في سوريا، أنَّها يجب أن تُنسِّق أعمالها مع إيران إذا كانت ترغب في تحقيق تطلُّعاتها لتحقيق استقرار حكم الأسد في سوريا.

درس حلب

تعلَّمت روسيا بالفعل دروسها من حلب، حين اعتقدت أنَّ بمقدورها تنفيذ وقف إطلاق النار الذي جرى التوصُّل إليه في نهاية العام الماضي، دون التنسيق مع إيران، وأدركت بعد ذلك أنَّ الميليشيات الشيعية وحزب الله كانوا يمنعون المعارضين من استقلال الحافلات التي كانت مُخصَّصة لنقلهم خارج المدينة بناءً على أوامر إيرانية.

كان التفسير الإيراني هو أنَّ ذلك جرى لأنَّ طهران لم تكن جزءاً من الاتفاق، ولم تكن مُلزَمةً به. وتجنَّبت روسيا منذ ذلك الحين إجراء أي مفاوضات مُتعلِّقة بسوريا، سواء كانت محلية أو دولية، دون المشاركة الإيرانية.

ويبدو أنَّ الهجوم على منشأة الأسلحة، خصوصاً في ظل الاشتباه في إنتاج أسلحة كيماوية، عمل لا يجب أن يتسبَّب في رد فعلٍ روسي عنيف. وقبل 4 سنوات، أقنعت روسيا الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما في اللحظات الأخيرة بعدم الهجوم على سوريا بسبب استخدامها للأسلحة الكيماوية في حلب، وفي المقابل شاركت في التوقيع على الاتفاق الثلاثي الذي وافقت فيه سوريا على تدمير أو إرسال كامل مخزونها من الأسلحة الكيماوية إلى روسيا. والآن، ربما تحاول روسيا إثبات أنَّ المنشأة لم تنتج أسلحةً كيماوية، لكن هناك شكاً في أنَّها ستُجهِد نفسها كثيراً في القيام بذلك.

وبالمناسبة، تضمَّن اتفاق 2013 ذاك غاز الكلور أيضاً، الذي يواصل الجيش السوري استخدامه.

وتدرك روسيا أيضاً أنَّ الهجوم الإسرائيلي المزعوم على مصنع أسلحة كيماوية مشتبه، والذي يشبه الضربة الأميركية بصواريخ كروز على سوريا بعد هجوم الأسلحة الكيماوية في خان شيخون في أبريل/نيسان، يُعَد عملاً شرعياً من وجهة نظر المجتمع الدولي.

حتى أنَّ روسيا أوضحت في 2013 أنَّها لن تعترض على أي هجومٍ على مخازن أسلحة كيماوية إذا ما قرَّرت الأمم المتحدة اتخاذ خطوةٍ كتلك، وإذا ما أُثبِت أنَّ سوريا بالفعل استخدمت أسلحةً كتلك.

ويُعَد العامل الجديد في الهجوم الأخير -إذا ما كانت إسرائيل بالفعل قد نفَّذت هجوماً كهذا- هو أنَّ إسرائيل أصبحت الآن تُعرِّف ما تعتبره تهديداً في إطارٍ أوسع كثيراً.

والسؤال المطروح هو ما إذا كانت روسيا ستقبل هذا التعريف كجزءٍ من النظرة الاستراتيجية العالمية لإسرائيل، التي ترى في سوريا عدواً يُشكِّل تهديداً. والقبول الروسي بتوسيع هذا التعريف قد يمنح إسرائيل الموافقة على مزيدٍ من الهجمات، مثل الهجمات على قواعد سلاح الجو السوري، أو حتى القوات البرية السورية، بحجة أنَّها تعتبرهم تهديداً.

وهكذا، إذا كان هناك حتى الآن خطٌ أحمر بين سلاحي الجو الروسي والإسرائيلي، فإنَّ الهجوم هذه المرة قد يؤدي على الأقل إلى فرض روسيا "انضباطاً جوياً" أكثر صرامة على إسرائيل. وإذا ما حدث ذلك، قد تعلن روسيا أنَّ أي طائرات أجنبية تدخل المجال الجوي السوري ستُعتبَر هدفاً شرعياً لسلاح الجو الروسي، باستثناء طائرات التحالف التي تقاتل ضد داعش.

إنقاذ الولايات المتحدة

من وجهة نظر واشنطن، قامت إسرائيل بإنقاذ الولايات المتحدة. ففي أعقاب تقارير عديدة بشأن تجدُّد استخدام غاز الكلور من جانب الجيش السوري، كان يجب على الأميركيين التحرُّك. لكن ربما تسبَّب ذلك في تدهور علاقتها مع روسيا بصورةٍ أكبر.

لكنَّ "الخدمة" التي قدَّمتها إسرائيل لواشنطن تجعلها تنزلق بصورة أكبر إلى الساحة السورية. وهذه المرة، ليس فقط كمراقب مهتم بطرق أبواب القوى الكبرى لتعزيز مصالحه الأمنية، بل كشريكٍ نشط يضيف حضوره العسكري عنصراً آخر إلى مجموعة القوات الموجودة هناك (التي تضم بالفعل روسيا، وإيران، وتركيا، وسوريا).

لكنَّ العنصر الإسرائيلي قد يُهدِّد بإفساد خطط روسيا. فعلى سبيل المثال، إيران، وتركيا، وروسيا على وشك إقامة منطقة أمنية في محافظة إدلب، حيث يتركَّز معظم قوات جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، التابعة لتنظيم القاعدة. وهذه منطقة يوجد لتركيا وإيران فيها مصالح متضاربة، حتى رغم اهتمام كليهما بوقف النار فيها.

فتركيا ترغب في استخدام المنطقة كقاعدة استراتيجية لعملياتها العسكرية ضد المناطق الكردية السورية على الحدود التركية. وترى إيران محافظة إدلب باعتبارها مركزاً استراتيجياً يخدم كقاعدة للسيطرة في سوريا. وتُخطِّط الدول الثلاث لهجومٍ مشترك ضد مراكز المعارضة، إذا عجزت روسيا عن فرض وقف إطلاق نار وفقاً للنموذج الذي أُقيم في المحافظات الجنوبية.

وقد يبدو أنَّه لا مصلحة حقيقية لإسرائيل في محافظة إدلب، باستثناء القلق بشأن توسُّع إيران واستقرارها هناك. لكنَّ السيطرة على إدلب -شأنها شأن الحملة العسكرية في دير الزور جنوب شرقي سوريا، حيث تتواصل خسائر داعش المتزايدة- تُجهِّز القنوات الدبلوماسية من أجل التوصل لاتفاقٍ دائم.

وتسعى روسيا لإظهار السيطرة على إدلب ودير الزور بحلول نهاية الأسبوع المقبل، حين يستعد مُمثِّلو الأطراف المختلفة للاجتماع في العاصمة الكازاخية أستانا. ويرغب الروس في تقديم مثل هذه السيطرة كدليلٍ على الانتصار الكامل للنظام السوري، وهو الانتصار الذي من شأنه أن يقضي على أدوات ممارسة الضغط من جانب مجموعات المعارضة.

ومن شأن السيطرة السورية – الروسية على هاتين المحافظتين أن يُعزِّز فرضية العمل الدبلوماسي بأنَّ الأسد سيستمر في منصبه رئيساً لسوريا، خصوصاً في ظل سحب معارضي نظامه في أوروبا، والولايات المتحدة، وتركيا -وحتى السعودية- بشكلٍ كامل تقريباً مطالبهم بإزاحته عن الحكم كشرطٍ مُسبق لأي مفاوضات.

ومن شأن نتيجةٍ كتلك أن تجبر إسرائيل على أن تكون شريكاً، حتى ولو بشكل غير مباشر فقط، في عملية إقامة حكومة سورية جديدة؛ وفي النقاش حول وضعية إيران وحزب الله في سوريا؛ والضمانات التي بإمكان روسيا -وليس الولايات المتحدة- تقديمها في مواجهة التهديدات المحتملة الناتِجة عن اتفاقٍ كهذا.

سلاح ذو حدين

قد تستنتج إسرائيل جيداً أنَّه كلما زاد انخراطها العسكري في سوريا -سواء كان ذلك عبر الهجمات المُتقطِّعة أو عبر تشديد علاقتها العسكرية مع مجموعات المعارضة- تعزّز موقفها أكثر عندما يحين الوقت لصياغة تسويةٍ سياسة.

لكنَّ رؤيةٍ كتلك قد تكون سلاحاً ذا حدين. إذ ستمنح إيران حجةً رائعة لزيادة حضورها العسكري في سوريا؛ وقد تُقلِّل روسيا، أو حتى تُنهي، تنسيقها الجوي مع إسرائيل وتعلن المجال الجوي السوري منطقة حظر طيران؛ وقد يُحوِّل حزب الله مرتفعات الجولان إلى جبهةٍ شرعية ضد إسرائيل كجزءٍ من توازن الردع معها.

هناك فارقٌ كبير بين القدرة على مهاجمة أهداف مُحدَّدة ووضعٍ دائم من جبهتين معاديتين، إحداهما تواجه سوريا، والأخرى تواجه لبنان، خصوصاً حين يكون أهم داعمي إسرائيل، الولايات المتحدة، مُنكفئاً على نفسه تماماً ولا يرغب في التدخُّل على الإطلاق.

تحميل المزيد