بمناسبة الخلاف المصري – السوداني على مثلث حلايب وشلاتين، تحضرني "نكتة" كانت تتردد في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، مفادها بأن مجموعة من السودانيين "الأحرار" خرجوا في مظاهرة مساندة للزعيم الخالد جمال عبد الناصر – المتسبب الرئيسي في انفصال السودان عن مصر – متخيلين أنه مع وحدة وادي النيل، وكانوا يهتفون بحماسة السودانيين المعهودة (مصر والسودان "هتة واهدة").
وفي خضم هذا الجو الانفعالي الرائع، نتش نشال مصري محفظة أحد السودانيين وانسل هارباً.
بعد لحظات اكتشف السوداني مصيبته فأخذ يهتف باكياً: "مصر والسودان هتتين.. مصر والسودان ألف هتّة!!" فانفض الجمع ضاحكين.
مصر والسودان فعلاً كيان واحد تسبب العسكر في انفصام عُرى وحدته؛ ففي سبيل رضا بريطانيا عن انقلاب يوليو/تموز ١٩٥٢، وانسحابها من قناة السويس، اشترطت أن يقبل نظام الجنرالات التخلّي عن السودان، وهذا ما تم بالفعل! فمصالحهم أهم من أي حدود وأي وحدة، رغم أن النحاس باشا (الإقطاعي العفن برأي الإعلام الناصري) رفض التخلّي وبشدة عن السودان ضارباً كل الضغوط والإغراءات عرض الحائط، أثناء مفاوضاته مع بريطانيا للجلاء عن مصر.
ما يحدث الآن من صراع بين عسكر مصر وعسكر السودان على مثلث حلايب وشلاتين ما هو إلا عهر سياسي لا طعم له ولا لون، فحلايب وشلاتين ليست مصرية ولا سودانية أيضاً؛ بل هي عربية مصرية سودانية، ولا يمكن أن يكون عسكر مصر أمناء عليها بعد أن فرطوا في أم الرشراش لصالح إسرائيل وجزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، وسبقهم عسكر السودان عندما فرطوا في جنوب السودان بكل بساطة، ولولا تدخّل قطر لضاعت دارفور أيضاً، فلا هؤلاء ولا أولئك أمناء على تراب أو وطن.
الحل برأيي أن يوضع المثلث تحت إشراف الأمم المتحدة لتجري انتخابات حرة نزيهة بعيداً عن التزوير المعتاد عليه في البلدين؛ لتفرز حكومة ديمقراطية، وأنا على يقين بأنها ستقود المثلث الفقير في موارده وإمكانياته إلى تنمية حقيقية وازدهار اقتصادي غائب عن مصر والسودان منذ عقود، فغياب الديمقراطية يؤدي بالضرورة لانعدام الحرية والفساد، وهذان بالتأكيد سيؤديان إلى الفقر والجهل اللذين نشاهدهما في هذَين البلدَين العزيزَين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.