بينما كنت أنتظر دوري في إحدى المؤسسات لإجراء معاملة رسمية، لفت انتباهي سيدة في مقتبل العمر كانت هي الأخرى تنتظر دورها، لكنها لا تعير للانتظار اهتماماً، وكأنها أدمنته منذ زمن، أو هو رفيقها الذي اعتادت عليه.. تبدو هادئة بعض الشيء، تبادلت معها أطراف الحديث، محاولة منّي للتخلص من طول انتظاري، والوقت الذي يمضي ببطء شديد؛ حيث كان يكتسيه حالة من الملل.
علمت منها أنها سيدة كانت مغتربة، فقد أمضت حياتها ودراستها في الخارج، وعادت إلى أرض الوطن للزواج، وأخبرتني أن زواجها لم يمضِ عليه سوى شهور قليلة، حينها قرر زوجها السفر لتكوين حياة أفضل.
وتستطرد في حديثها مع تنهيدة طويلة، وغصة ألم رسمت حالة الحزن والوحدة والكآبة التي رافقتها منذ رحيل زوجها، قالت لي: إنه سافر رغم استقرار وضعه الاجتماعي المادي فهو طبيب ناجح في عمله، ولم يكن هناك مبرر للسفر والرحيل، وقد مضى على غيابه خمسة أعوام دون عودة أو حتى إبداء أي نية للعودة.
الأمر الأكثر حزناً.. أن السيدة أخبرتني أنها كانت حاملاً في الشهور الأولى من زواجهما، وعندما سافر زوجها، أنجبت طفلها دون أن يراه والده، سألتها: ألم يكن يتواصل معك؟ قالت وهي تضحك باستهزاء: (كل سنة مرة).
سألتها مترددة..: ألم تفكري في طلب الطلاق غيابياً؟.. أجابتني بغرابة أن الطلاق لا يقدم ولا يؤخر شيئاً في حياتها.
وأفحمتني بعبارة أخرى حين قالت: (يا عزيزتي معظم السيدات في مجتمعنا مطلقات مع وقف التنفيذ).
في حقيقة الأمر، لم تكن هي القصة الأولى التي صادفتها وعايشتها من خلال علاقاتي الاجتماعية ومعرفتي بكثير من السيدات من خلال مجال عملي، فهناك الكثير من القصص بخلاف قصة تلك السيدة، يكون قدرها الارتباط بشخص قرر الرحيل والسفر بلا عودة دون أن يعيرها أي حق من حقوقها. هناك قصص رغم وجود الزوج إلا أن العلاقة الزوجية تبدو كما تحدثت هذه السيدة (طلاق مع وقف التنفيذ) نماذج وقصص كثيرة تجعلنا نفكر ونتساءل: لماذا معظم العلاقات الزوجية أصبحت باردة.. باهتة.. كئيبة وهشة؟
أغلبنا يعلم جيداً أن هناك الكثير من الأساليب والحلول للقضاء على الرتابة والملل في العلاقات الزوجية، كالتغيير في الشكل والأسلوب والذوق والأناقة وتقديم الهدايا وتبادل الكلمات الجميلة والمشاركة الفعالة فيما يحب الطرفان وتبادل الآراء ومواجهة المشاكل معاً والخروج إلى نزهة، وخلق حالة من الترفيه والكثير.. الكثير من الطرق والأساليب.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهني: لماذا رغم أن الأغلب يدرك كل هذه الأمور، إلا أنهم يفضلون البقاء في حالة الركود التي تصيب العلاقة الزوجية بعد فترة؟
يبقى البعض سجين الزواج ويعيش كأنه في مهجر أو حبس انفرادي، حتى لو اكتشف البعض أن الطرف الآخر وشريكه في العلاقة الزوجية ليس هو الشخص الذي عهده في بداية العلاقة، وأن هناك أموراً كثيرة تغيرت واختلفت وتكشف عنها النقاب، هل هذه مبررات قوية تدفع الطرفين للاستسلام إلى الرتابة والملل في العلاقة، وعدم إبداء أي محاولات للتغيير؟
ورغم أن المشاكل والخلافات تبدو أكثر خطورة على العلاقات الزوجية، فإن هناك البعض مَن يستطيع التغلب عليها.
وأعلم جيداً أن الطلاق آخر الطرق التي يمكن اللجوء إليها للتخلص من علاقة باهتة، أو علاقة تخللت بها المشاكل والخلافات، بحكم وجود أطفال أو نظرة المجتمع.
لكن ما هو أكثر ألماً وأعظم قسوةً وظلماً لأنفسنا هو أن نعيش في غربة هي الأصعب على الإطلاق دون الرغبة في محاولة للتغيير، فلا غربة أشد من غربة أنفسنا، وأن نعيش بين مهجر الزواج ومنفى الحب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.