وظائف الناس

وعلى هذا قسم الله نِعمَه على الناس ليفيضوا بها على غيرهم، فتنسجم بذلك أحوال الناس بين معطٍ وآخذ، ثم تدور الدوائر ليحتاج المعطي يوماً من أخيه محتاج الأمس وبذلك لا يظلم ربك أحداً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/06 الساعة 07:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/06 الساعة 07:53 بتوقيت غرينتش

لما خلق الله الخلق، جعل مركز انشغالهم يدور حول عبادة الله كما يحب، وتحديداً بالطريقة التي أراد.

وفي هذا اجتهد الناس أن يعبدوا الله قدر جهدهم، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها وكيفما تعلموا وأجادوا.

وعلى هذا قسم الله نِعمَه على الناس ليفيضوا بها على غيرهم، فتنسجم بذلك أحوال الناس بين معطٍ وآخذ، ثم تدور الدوائر ليحتاج المعطي يوماً من أخيه محتاج الأمس وبذلك لا يظلم ربك أحداً.

واحتياج الناس لا ينحصر في مواد إقامة الجسم ولوازمه، بل يتعدى ذلك إلى ما تنشط به الروح وتسمو.

وعليه كانت وظائف الناس إما للاهتمام بقارورة الجسد أو بمادة الروح التي تسكن هذا الجسد.

فترى أناساً قد شغلوا أنفسهم بسد مؤنة الناس من الطعام أو المسكن أو العلاج أو اللباس، وكل ما ينصلح به حال هذا الجسد، وآخرين قد عملوا على تعليم الناس وهدايتهم وتطييب خواطرهم وتأمين روعاتهم وهؤلاء أطباء النفس ومعالجوها.

ولا تجد إنساناً إلا وقد حباه الله من الفضل ما يستطيع به أن يشغل وظيفة عند خالقه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق"، أي أن أبسط ما تستطيعه أن تكون بشوشاً مستريح الأسارير فيستبشر بك الناس، بالله مَن لا يستطيع أن يفعل ذلك؟ وقوله عليه الصلاة والسلام "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" فيه معنى آخر لاستعمال نعم الله بين إقامة الجسد وترويح الأنفس.

إذاً فأنت موظف عند الله ما دمت تؤدي وظيفتك وتجتهد فيها وإذا أردت أن تعرف أين أنت من السلم الوظيفي، فاقرأ قول الشافعي عندما سأله أحد تابعيه: "كيف أعرف مقامي عند الله؟"، فأجابه الشافعي: "إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك، فانظر فيما أقامك". فإذا تكاسلت وتعاميت "وقاك الله شر ذلك"، طردك الله من وظيفتك واختار غيرك ليقوم بما وكله إليك سابقاً "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" – سورة محمد.

ولأنه رؤوف رحيم سبحانه وتعالى، فإنه لم يربط نعمه عليك بوظيفتك التي أرادك لها.

فتخرج من وظيفتك ولم ينقص من مالك وعقلك وعلمك شيئاً، ولكن يسألك عما فعلت بنعمه فلا تجد إلا مالاً قد فني في طعام وشراب ولباس، وعلماً بقي حبيس الكتب وفهماً لم يصل لغيرك، وقتها يكون الحساب عسيراً.

ولأن كل الناس بجميع عقائدهم وأحوالهم يقعون تحت هذا السلم الوظيفي، فكان من الحكمة ألا ينشغل الحكيم بغيره وإذا ما كان عمله مقبولاً أو غير ذلك.

ولكن ليكن جلّ عمله أن يتعاون مع غيره لتنفيذ وظيفته على الوجه الأكمل، "والحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها"، كما جاء بالحديث الشريف.

فإن لم يأخذها المؤمن أخذها غيره؛ ليقوم بوظيفة الله التي أنشأها من قديم الأزل، ثم يحكم الله بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون.

وأعجبني في هذا المجال ما قاله أحد المسلمين "وددت أن يتوقف الدعاء على الكفار والمشركين بصلاة التراويح وقد شغلوا أوقاتهم باختراعات واستنباط الحديث من أدوات الطب والهندسة والعلوم ما يستفيد به الناس كافة".

وأقول الدعاء على الظالمين أولى، ففينا منهم كثيرون، والله لا يحب الظالمين.

اللهم أقمنا على ما تحب وترضى وعلى ما تعلو به منازلنا ودرجاتنا، واجعلنا فيمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس". والله من وراء القصد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد